كتبت الأسبوع الماضي عن أهمية الوعي في معركة التصدي لفيروس كورونا، وطالبت بأن يكون ما يحدث في الهد وغيرها من مآسٍ بسبب الفيروس جرس إنذار لكل مستهتر بالاجراءات الاحترازية لأنه بذلك لن يؤذي نفسه فقط ولكن من حوله أيضا.
بعض الأصدقاء أبدى تحفظه على الفكرة مشددا على أن أوراق اللعبة في يد الحكومة التي يجب عليها تشديد العقوبات على غير الملتزمين والضرب بيد من حديد عليهم لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما ورد في الحديث الشريف، واستشهد الصديق بما حدث مع بداية تشغيل مترو الانفاق عام 1987 وفرض غرامة على من يضبط وهو يدخن أو يلقي القمامة على أرض المحطة أو داخل المترو، وأن الجدية في تطبيق العقوبة كانت مانعة من العبث أو التهاون.. وراح صديقي يتهم المصريين عامة بأنهم شعب لا تجدي معه مسألة الوعي، وشاركه الرأي صديق آخر مؤكدا أن الوعي لدى الشعوب المتخلفة رهان خاسر على حد قوله..
وليسمح لي صديقاي العزيزان ومن يوافقهما الرأي أن أخالفهم في بعض الامور.. فالاستشهاد بالمترو قياس مع الفارق، لأن محطات المترو وقطاراته أماكن محدودة يمكن السيطرة عليها ووضعها تحت الرقابة الكاملة من خلال الكاميرات المنتشرة في كل ركن منها، بينما لا يمكن مراقبة كل شارع وحارة في بر مصر وداخل البيوت وأماكن العمل والاماكن الخاصة، وإلا سنحتاج إلى عسكري لكل مواطن يرافقه كظله أينما توجه من لحظة استيقاظه حتى خلوده الى النوم وهذا مستحيل..
وأما قضية الوعي ومدى جدواه مع شعوب العالم الثالث فهذا بيت القصيد، فلا أحد يجادل في أهمية تشديد الاجراءات وفرض الغرامات لتحقيق الانضباط والالتزام بالتعليمات الوقائية التي تستهدف سلامة الفرد والمجموع، ولا يمكن لعاقل أن يقول بغير ذلك حتى مع أكثر شعوب العالم تحضرا، لكن هذه الاجراءات اذا لم يصاحبها وعي بأهميتها ودورها في الحفاظ على الوطن والمواطن من تفشي الجائحة فلا قيمة لها ولن تحقق المرجو منها حتى لو طبقت بمنتهى الحزم والشدة، إذ يمكن بسهولة الالتفاف عليها وممارسة “الفهلوة” المصرية في التعامل معها.
فماذا تجدي العقوبات والاجراءات المشددة مع من يقيمون الولائم العائلية التي تضم العشرات من الأشخاص في شقة أضيق من علبة الكبريت بحجة التواصل العائلى والطقوس الرمضانية، هل تقتحم عليهم الشقة قوات مكافحة العزومات أم يجرجون إلى القسم بتهمة إدارة شقة للأعمال المنافية للتعليمات؟!!
وماذا تنفع الغرامات مع من يضع الكمامة في جيبه أو يرسم بها لحية مستعارة تحت ذقنه وبمجرد رؤية لجنة أو كمين على الطريق يخرجها من جيبه أو يرفعها عن ذقنه ويضعها على وجهه لدقائق حتى يمر من اللجنة ثم يعيدها سيرتها الأولى.. هل مطلوب من الضابط أو العسكري أن يسير خلفه ليتأكد أنه لم يرفع الكمامة طوال الطريق؟!!
وما فائدة الاجراءات المشددة مع من يقيمون حفلات الخطوبة وعقد القران وقراءة الفاتحة في منازلهم أو شققهم الخاصة ويتكدس فيها الكبار والصغار ليباركوا للعروسين وبالمرة يوزعوا الكورونا على المعازيم لزوم واجب الضيافة؟!!
وماذا تفعل العقوبات والغرامات مع من يتحايلون على قرار إغلاق المقاهي فيغلقون على أنفسم باب المقهى ليظن من يراه أنه مغلق بينما هم بالداخل يقدمون الخدمة كاملة للزبائن.. وتحايلا على قرار منع الشيشة في المقاهي ينقلونها إلى شققهم ويستقبلون بها زبائنهم ويجلسون متلاصقين ينفثون الدخان في وجوه بعضهم البعض!!
وماذا يجدي تشديد العقوبات مع من يلتفون على قرار إغلاق المحلات في التاسعة مساء ويقومون بتكوين فرق استطلاع أو حتى “يوالسون” مع أحد أفراد الحملة المنوطة بتطبيق القرار لمعرفة موعد قدوم الحملة ومكان وجودها فيغلقون محلاتهم لحين مرورها ثم يعيدون فتحها حتى مطلع الفجر؟! هل مطلوب من الحملة أن تبيت أمام كل محل لتضمن ألا يقوم صاحبه بفتحه بعد انصرافها؟!!
أقول هذا الكلام ليس دفاعا عن الحكومة أو تقليلا من شأن العقوبات والغرامات وتشديدها بل أشدد على وجودها وتطبيقها بصرامة، ولكن الهدف من هذا الكلام التأكيد على أن هذه الغرامات والعقوبات يجب أن يقابلها وعي من الناس وهذا الوعي يجب أن يكون حالة عامة تنتقل بالعدوى بدءا من المتعلمين والمثقفين من معلمين ومهندسين ومحامين ومحاسبين وموظفين وصحفيين وغيرهم وهم فئة ليست قليلة في المجتمع وتدريجيا تنتقل عدوى الوعي إلى باقي المواطنين لأن الاجراءات المشددة وحدها لا تكفي في هذه المعركة خاصة مع اتساع رقعة البلاد وعدد السكان الكبير، أما إذا وجد الوعي فإنه يمكن أن يكون كافيا وحده للوقاية دون الحاجة إلى عقوبات.. مجرد رأي.