اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب يعد تحالف العيون الخمس من أنجح التحالفات الإستخبارية فى العالم. يمثل تحالف العيون الخمس ترتيباً للتشارك فى المعلومات الاستخبارية بين خمس دول ناطقة بالإنجليزية ذات أنظمة ديمقراطية هى: الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وقد طُور هذا التحالف خلال فترة الحرب الباردة بوصفه آلية لمراقبة الإتحاد السوفياتى وتبادل المعلومات الإستخبارية السرية. ويُوصف عادة بأنه أكثر التحالفات الإستخبارية فى العالم نجاحاً، لكنه فى الفترة الأخيرة عانى من أزمة محرجة. فقد إنتقد أربعة أعضاء من التحالف معاً تعامل الصين مع سكانها من الإيغور المسلمين فى إقليم تشانجيانغ. وعبروا عن قلقهم من قيام الصين بالإستحواذ عسكرياً بحكم الأمر الواقع على بحر الصين الجنوبى وقمعها للديمقراطية فى هونغ كونغ وتهديدها بالتحرك للسيطرة على تايوان التى تعهدت الصين بـ إستعادتها بحلول 2049. وعلى الرغم من ذلك، إنسحبت دولة واحدة من دول هذا التحالف من المواجهة مع الصين وهى نيوزيلندا. وقد يبدو أمراً مفاجئاً فى بلاد تفتخر بسجلها فى مجال إحترام حقوق الإنسان، أن ترفض وزيرة خارجية نيوزيلندا المشاركة فى الإدانة الغربية لبكين قائلة إنها غير مرتاحة لتوسيع دور التحالف للضغط على الصين بهذه الطريقة. وعلى الرغم من إقرار رئيسة الوزراء النيوزيلندية الإثنين بأن الخلافات مع الصين باتت من الصعب إصلاحها فإن البلاد ما زالت تفضل متابعة علاقاتها الثنائية مع بكين. وقد إهتمت وسائل الإعلام الصينية الرسمية كثيراً بذلك، متحدثة عن أن إسفيناً قد دُق بين الدولتين الحلفتين والجارتين: أستراليا ونيوزيلندا. وتعد الصين أكبر سوق لصادرات نيوزيلندا، وتعتمد الأخيرة على الصين فى تسويق ما يقرب من 30 فى المائة من صادراتها ومعظمها من منتجات الحليب. وكذلك تفعل أستراليا، بيد أن كلا البلدين الجارين ينظران بمنظور مختلف للسياسات الصينية. فالحكومة الفيدرلية الأسترالية فى كانبيرا قد رفضت إستثماراً صينياً ضخماً فى ولاية فيكتوريا والتى كانت ستصبح جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية وإستحواذها المطرد على أصول إقتصادية حول العالم. وفى غضون ذلك فرضت الصين سلسلة من العقوبات الإقتصادية المضرة على أستراليا خلال العام الماضى. ومع تزايد الحرب التجارية بين البلدين، أُفيد أن صادرات النبيذ الأسترالية الى الصين إنخفضت بنسبة 96 فى المائة فى الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الأول من عام 2020. فإنخفضت من 325 مليون دولار أمريكى الى 12 مليون دولار أمريكى فقط. لقد إفترض مسئولون فى تحالف العيون الخمس العام الماضى أنه مادامت كل الدول الأعضاء فيه تتشارك فى النظرة نفسها الى العالم، فإنه ينبغى إذن تطبيقها على الصين. وفى مايو/ أيار 2020 وافق التحالف على توسيع دوره من مجرد تبادل التعاون الأمن والإستخباراتى الى بلورة موقف أعم بشأن إحترام حقوق الإنسان والديمقراطية. وفى نوفمبر/تشرين الثانى، إنتقد التحالف الحكومة الصينية لخنقها الديمقراطية فى هونغ كونغ عندما قدمت بكين قوانين جديدة تُجرّد مشرعين منتخبين فى المستعمرة البريطانية السابقة من دورهم وصلاحياتهم. ورد متحدث بإسم الحكومة الصينية بغضب ساخراً من تحالف العيون الخمس وقائلاً: إن من يجرؤون على التعدى على سيادة الصين سيجدون أعينهم قد فُقئت. واليوم وبعد مرور ستة أشهر يعنى إبتعاد نيوزيلندا عن الخط العام للتحالف بسبب الصين أن الدور الجديد الموسع للعيون الخمس قد وصل الى طريق مسدود. مما يثيربعض التساؤلات عن: هل أن التحالف قد دخل فى أزمة؟ بيد أن ذلك سيكون مبالغة فهذا الأمر يتعلق بالسياسة وليس بالإستخبارات. ونيوزيلندا لم تخرج من التحالف لكنها ترسم مجرد خط يفصل بين الإثنين (السياسة والإستخبارات) من منظور أنها مرهقة من هذا الفهم لعملية التشارك فى الأسرار لدى العيون الخمس. ومن شبه المؤكد سيكون هناك بعض من المجتمع الإستخبارى النيوزيلندى يشعر بالإحراج من لعب هذا الدور علناً. وحتى الآن يأتى معظم المعلومات الإستخبارية التى تتم مشاركتها داخل التحالف من واشنطن. وتشكل بريطانيا المساهم الأكبر الثانى بما تقدمه من نتاج مكاتب الإتصالات الحكومية البريطانية (جى سى أج كيو) والإستخبارات البريطانية الداخلية(أم أى 5) والخارجية (أم أى 6). وتأتى نسبة أقل بكثير من كندا وأستراليا. وعندما يصل الأمر الى نيوزيلندا كشفت مراجعة إستخبارية فى عام 2017 أن مقابل كل 99 معلومة إستخبارية تتسلمها نيوزيلندا تقدم هى معلومة واحدة فقط. وهذا يعنى أن نيوزيلندا بوضوح ستخسر الكثير إذا غادرت التحالف. وفى الخلاصة هل سيتحول التحالف الى مجموعة دبلوماسية موحدة أو محموعة ضغط سياسية؟ هذا أمر غير مرجح فى هذه المرحلة. وهل أن وجود هذا التحالف لتبادل المعلومات الإستخبارية بين حلفاء بات فى محنة ؟ الجواب كلا.