لا يزال فيروس كورونا جاثما على صدر البشرية للعام الثاني حاصدا المزيد من الأرواح ومسببا المزيد من نزيف الخسائر لاقتصاد العالم.. مرت موجته الأولى وسط حذر شديد بل رعب من هذا العدو المجهول، واتخذت الدول إجراءات شديدة وصلت الى تعطيل الدراسة وفرض حظر التجوال وإغلاق المساجد.. ومع قدوم الموجة الثانية استمرت الاجراءات الاحترازية لكن مع شيء من التراخي، ويبدو أننا تآلفنا مع الفيروس وتعايشنا معه كما فعل الفلاحون في فيلم “الأرض” مع قوات الهجانة التي جاءت لفرض النظام في القرية وسرعان ما أصبحوا أصدقاء يتسامرون ويتبادلون الحكايات ويتضاحكون.. ومع انخفاض اعداد الوفيات في نهايات المرحلة الثانية ظن البعض أن الفيروس ذاهب بلا رجعة وضعفت قبضة الخوف على النفوس وسادت روح الاستهتار بين الغالبية خاصة مع وجود فئة تسعى لبث هذه الروح فيمن حولها تارة بدعاوى دينية أساءوا فهمها بقولهم إن الاعمار بيد الله والمكتوب ليس منه مهروب ونسوا قول الله عز وجل “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، وتارة بدعاوى “فذلكية” تدعي أن هذا الفيروس ليس أكثر من دور برد عادي ولكنه شديد “حبتين”، واستمروا يمارسون حياتهم بكل تفاصيلها كأن فيروسا لم يكن.. لقاءات عائلية وعزومات وأفراح وحفلات وأسواق مكتظة بالبشر خاصة مع اقتراب العيد وشراء مستلزماته.. كل هذا بلا أدنى احتراز ولو بالكمامة أو الكحول.. وحتى داخل المساجد قليلون من يحرصون على ارتداء الكمامة واصطحاب سجادة الصلاة والتباعد.
ومع قدوم الموجة الثالثة الأكثر شراسة وغموضا أصبح التخلي عن هذا الاستهتار والالتزام بالإجراءات فرض عين لحماية النفس والغير، ويتسبب التهاون في سرعة تفشيه بشكل يصعب السيطرة عليه، وما دولة الهند عنا ببعيد، فالفيروس يحصد الأرواح هناك فيما يشبه الابادة الجماعية وكل يوم تطالعنا وسائل الاعلام بأعداد الإصابات التي تجاوزت 400 ألف إصابة يوميا طبقا للإحصائيات الحكومية هناك بينما يشير الخبراء والأطباء الى عدم صحة هذه الأرقام مؤكدين أن الارقام الحقيقية قد تكون أكبر بعشر مرات مقدرين الاصابات اليومية بنحو 3 ملايين حالة.. وأصبحت المستشفيات عاجزة عن استقبال الحالات أو تقديم الرعاية اللازمة لها.. وتشير الانباء إلى أن السبب الرئيسي لتفشي الوباء الى هذه الدرجة المخيفة هو عدم تخلي الهنود عن ممارسة عاداتهم الحياتية وطقوسهم الدينية بنفس الطريقة التي اعتادوا عليها قبل ظهور الفيروس، فالأسواق مكتظة والمناسبات الدينية لمختلف الطوائف يشهدها الآلاف بل الملايين والإجراءات الاحترازية غائبة تماما..
للأسف نحن في مصر لسنا بعيدين عن هذا السبب الذي أدى بالهند إلى هذا الوضع المأساوي.. لست من دعاة التشاؤم ولكن ما أراه في شوارع المحروسة خاصة في ليالي رمضان ينذر بما لا تحمد عقباه، فالكثيرون ما زالوا يخاصمون الكمامة ويرتادون الأسواق والأماكن المزدحمة، والكثيرون أيضا ليس لديهم استعداد للتخلي عن عاداتهم الحياتية ولقاءاتهم العائلية وعزوماتهم الرمضانية رغم أن الدولة بُح صوتها من التنبيه والتشديد ولكن لا حياة لمن تنادي..
يقولون إن العاقل من اتعظ بغيره.. فهل آن الأوان أن نتعظ بما يجري في الهند وغيرها من البلاد ونلتزم حتى تزول الغمة وينزاح الوباء؟!