يعتقد السواد الأعظم من الأمة أن ترسيخ الهبة هو التزام السكوت كوسيلة ناجعة لتفادي مواجهة مآسي العجائن المصطنعة، فيكون انحرافهم عن مسار الحوار خوفا من تضارب الآراء السلبية بالأفكار الإيجابية كمنهج استقرائي خاطئ. إذ يبدوا أنهم فضلوا الصمت كمعيار رمزي خشية الرد عن خبث السؤال. هكذا تقاس درجة سوء نيتنا أمام تصرفاتنا المشبوهة، إذ نلتمس الأعذار للخلوة الشامتة بأنفسنا، متشبتين بالثقافة الشفاهية البائسة. فمنذ عقود قريبة واقتداءا بشهامة الجهابدة من أجدادنا،كانت قوة الفرد الواحد في مجتمعنا ترعب الكثلة، عكس حالنا اليوم الذي أصبحت المجموعة الزخمة من الأفراد تساق كالنعاج بحركة بسيطة من ذئب واحد ضال وظالم وجاهل وأصم و أعمى، مطأطئين الرؤوس خوفا من بطشه. كيف نهيم جميعنا في البحث وراء غابة تكسوها الأشجار الخضراء بين فيافي الصحراء التي لا عشب بها ولا ماء، كيف نركع لمعاملة من يدبر شؤون الغابة وهو يترصدنا بالترسانة المفاهيمية المتربصة ونحن متأكدين من فداحة كذبه ومقالب خداعه وسرية تآمره. أقنعني بالقضاء على الفقر ….بمحو الجهل والأمية….. باستفاذة الجميع من خيرات البلاد…. بوضع حد للجريمة….. بتعافي المرضى بالمستشفيات…. بتدبير المرافق الصحية بمعايير دولية من الناحية اللوجيستيكية…..بنزاهة العدالة التي تحكم بالقسط واسترجاع المظالم….بتحديث وتطوير المنظومة التعليمية….بربط المسؤولية بالمحاسبة. أوعدني بمحاربة الغش والرشوة….. وقطع الطريق أمام استغلال النفوذ وبطش من يمتهن النصب والاحتيال….. والتدليس ونهب الثروات. أقول لك بأننا في دولة إسلامية. أين هي مبادئ منتخبي الأمة التي ما فتئت اختراق المنظور؟ أين هي قيم وفتاوي مصدر المنثور من علماء الكراسي والبذخ والبروج المشيدة؟ أين الأخلاق المهنية للمنابر الصحافية والتلفزية المأجورة التي أفقدت مصداقيتها أمام هذه المعضلات المباحة بالأشكال المجازية في أمتنا؟ تمكنوا من تقسيمنا أحزابا ومنظمات وجمعيات ومؤسسات فاشلة، لتظهر عوراتنا أمام العيان، أفسدوا حضاراتنا التي نتبجح بها كل وقت وحين، حتى أصبح وجودنا من عدمه لا شيء أمام الغرب. أين نحن من الدين كمعاملة ؟ – ” أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن” -“لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة” -“لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” – “لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن” -“وأوفوا الكيل إذا كلتم” – ” وزنوا بالقسطاس المستقيم” -“ولا تقف ما ليس لك به علم” -“ولا تمش في الأرض مرحا، كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها” الحقيقة الثابتة هو أن الحوار بخصوص المصلحة العامة للأمة أصبح منعدما. القتل والحروب والتطاحن الإقليمي أصبح مباحا بين العرب بمباركة من الخارج. الرذائل والمحرمات أصبحت غاية يلهث ورائها العرب. ماذا ننتظر من أمة عانقت السخط والبلاء الرباني بالأحضان. لكن مؤخرا،أثبتت دراسات مستقبلة ميدانية أن الفرج قريب وسيكون على أيدي شريحة عريضة من الشباب في السنوات القادمة، عكس ما يتصورون عن فقدان هؤلاء لهويتهم الحقيقية، لإنهم يحملون أفكارا مخالفة لأفكارنا وأهدافا أقوى من أهدافنا ونظرة إلى المستقبل بالمفهوم الواقعي للعدالة الإجتماعية في الحياة والعيش الرغيد.