في الوقت الذي نسابق الزمن للقضاء على فيروس كورونا وتوفير لقاحات للوقاية منه غاب عنا أن نفكر في كيفية القضاء على نوع آخر من الفيروسات يضرب حياتنَا ويهدد بتدمير مجتمعاتنا.. هذه الفيروسات لا تصيب الإنسان بأمراض جسدية ولكن تصيبه بأمراض اجتماعية وتؤثر في كونه إنسانا صالحا من عدمه.. وهي كثيرة جدا للأسف لا يمكن إحصاؤها في مقال ولكن نكتفي ببعضها، خاصة ونحن على أعتاب شهر كريم يمثل فرصة ذهبية للتخلص منها. أول هذه الفيروسات: الرشوة التي أصبحت هي الأصل في التعامل مع أي موظف عام تقوم وظيفته في الأساس على تقديم خدمة للمواطن ويتقاضى راتبه نظير ذلك.. عفوًا لا تقل لي إن المرتبات ضعيفة وغير كافية مع غلاء المعيشة، لأن هذا لا يبرر الحرام، فقد ارتضى هذا الشخص العمل بتلك الوظيفة نظير هذا المرتب.. ومع ذلك يجعله الطمع والجشع لا يؤدي عمله إلا إذا دسست في يده أو جيبه أو دُرجه ورقة بنكنوت من الفئات العليا والا فمصلحتك لن تنقضي وطريقك مسدود مسدود يا ولدي.. تجد ذلك للأسف في كل القطاعات الخدمية بدءا بالكهرباء ومرورا بالتليفونات والشهر العقاري والمحليات والضرائب وغيرها، ويضحكون على أنفسهم فيسمونها إكرامية أو ثمن الشاي أو نحو ذلك.. مع إقرارنا بضرورة أن تتناسب المرتبات مع الأسعار المرتفعة وأن تعادل القيمة الشرائية لها الاحتياجات الشهرية للأسرة. أما “الواسطة” والمحسوبية فهي أيضا فيروس لعين يهدر حقوق الكفاءات ويحطم آمال الشباب الفقير لصالح “أبناء الذوات” حتى ولو كانوا لا يملكون من مؤهلات الوظيفة شيئا سوى كارت البيه أو توصية الباشا.. في الوقت الذي تهدر الكفاءات الحقيقية وتستنزفها “المرمطة” في أعمال متدنية لا تناسب مؤهلاتهم ولا تلبي طموحهم الذي ظلوا يحلمون به سنوات فإذا بهم يفيقون على واقع أليم. فيروس آخر احتار فيه أطباء النفس والاجتماع فأعياهم الجواب، وهو التناقض بين التدين والسلوك، فتجد الواحد يهرع إلى الصلاة في وقتها ويصوم النوافل ولا تفارق المسبحة أصابعه، ومع ذلك يصدمك سلوكه وتعامله مع الآخرين، فلا يتورع عن الكذب والنفاق والغيبة والنميمة والتنمر والرشوة والتزويغ من العمل وتضييع حقوق الناس وأكل ميراث أخواته والتعامل بالربا، رغم أن ديننا هو دين العمل والإتقان والضمير الحي، لكن هؤلاء يعملون بمبدأ “هذه نقرة وهذه نقرة” أو بقاعدة “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”!! أما الفهلوة فحدث عنها ولا حرج.. فالشعب المصري معروف بأنه شعب الفهلوة ويمكن اكتشاف هذا الفيروس بسهولة فهو لا يحتاج إلى تحاليل أو أشعة وإنما يمكنك اكتشافه بمجرد التعامل مع أي “صنايعي” أو صاحب حرفة أو مقدم خدمة فتسمع منه معسول الكلام في “نفس ذات اللحظة” التي يصفعك فيها على قفاك!! للأسف.. الفيروسات في حياتنا كثيرة، ومحاولاتنا للقضاء عليها تكاد تكون منعدمة لأننا استمرأنا التعامل بها وأوجدنا لأنفسنا المبررات لذلك.. الأمر يحتاج إلى عزيمة ووعي جماعي بضرورة التخلص من هذه الفيروسات وعدم الاكتفاء بالشعارات الرنانة والعبارات الجوفاء.. إلى جانب إعمال القانون في معاقبة المقصرين والمتهاونين والمرتشين.. فهل نستطيع؟!