يأتى شهر مارس من كل عام محملا بعبق الربيع وروعة مناظره فتكسو الخضرة وجه الأرض، وتدب الحياة فى أوصال الأشجار التى أنهكها الشتاء.. ولهذا لم يكن غريبا أن يختار الكاتبان الراحلان علي ومصطفى أمين يوم 21 مارس الذى يوافق بداية فصل الربيع ليكون يوما للاحتفاء بالأم لما يرمز له من معانى النقاء والبهجة وتجدد الحياة، ورغم قناعتى بأن الأم لا تحتاج لتخصيص يوم للاحتفاء بها وإنما يجب ذلك على الأبناء كل يوم بل وكل لحظة لأنها تكسو حياتهم بخضرة قلبها وتجمل دنياهم بأزهار عطائها دون أن تنتظر مقابلا فإننى أكتب هذا المقال لكل ابنة أو ابن هجر أباه أو قاطع أمه أو قسا قلبه عليهما أن يعود إلى رشده ويحاول التكفير عما ارتكبه من عقوق ونكران لأن الحياة قصيرة وسيشقى فى الدارين لو رحل والداه غير راضيين عنه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “رغِم أنفُ رجل أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له”.. ويكفي الأم – والأب – شرفا أن الله أوصى بهما فى مواضع كثيرة من القرآن كقوله تعالى: “ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا”، ووصف ما تعانيه الأم من آلام الحمل والولادة بقوله: “حملته أمه وهنًا على وهن”، وذكر نماذج عظيمة من الأمهات اللاتى ضربن المثل فى الإيمان والصبر.. أبرزهن سيدة نساء العالمين السيدة مريم التى تحملت أذى اليهود واتهامهم لها فى شرفها وقدمت للبشرية المسيح عيسى ابن مريم؛ قول الحق الذى فيه يمترون، فكان مباركا أينما كان وبرًّا بوالدته ولم يكن جبارا شقيا، وزرع فى أتباعه الحكمة والرحمة والمحبة.. كما ذكر نموذجا آخر رائعا للأم العظيمة أم موسى التى ألقت رضيعها فى النهر بقلب راضٍ وضمير مستريح لثقتها بالله الذى أمرها بذلك وطمأنها ألا تخاف ولا تحزن ووعدها بأن يرده إليها، وقد كان.. فأصبح صغيرها نبيا من أولى العزم اختاره الله كليما ووقف فى وجه فرعون وخلص بنى إسرائيل من ظلمه وقهره. الأم.. أيقونة عطاء وينبوع حنان ورحمة لو وُزع على أهل الأرض لكفاهم، فيا من له أم على قيد الحياة لا تبرح قدميها فثَمَّ الجنة.