بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، وبمشاعر من الحزن والألم، شيّعت جموع غفيرة من أبناء مركز الوقف وتوابعه، عمدة قرية القلمينا الأستاذ صلاح محمد إسماعيل بيومي، الذي وافته المنية أمس الخميس، عن 75 عاماً، قضى منها زهاء 34 عاماً في العمودية، حتّى نال عن جدارة لقب “عميد العُمد”.
طوال أكثر من ثلاثة عقود، صنع الرجل لنفسه ولقريته مكاناً ومكانة على خريطة قنا السياسية والاجتماعية، والتعليمية، وأصبحت القلمينا القرية الصغيرة، التابعة لمركز حديث النشأة نسبياً (الوقف)، حديث القاصي والداني. ***
التقيته للمرة الأولى قبل 41 عاماً، عندما كنتُ تلميذاً بمدرسة القلمينا المشتركة، وكان الأستاذ صلاح هو “أستاذُ الحساب” (الرياضيات)، ومازال صوته يرنّ في أذني وهو يقول “المستقيمان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدّا… زي قضبان القطر يا ولاد”!
وكان لقائي الأخير معه يوم الخميس 6 أغسطس الماضي، خلال إجازتي الأخيرة، كان – يرحمه الله – يسألني بأبوّة حانية ومحبّة خالصة عن أخي م. محمود وابنه أحمد، وأحبّتنا وأهل قريتنا في الكويت و… و… ويمتد الحوار عن البلد ومشاكلها، واعتزازه وفخره بأبناء القرية النّابهين، كان المرءُ لا يشبعُ من الجلسة معه…. *** وُلد العمدة صلاح محمد إسماعيل في 25/ 11 /1945، وبعد حصوله على دبلوم المعلمين عام 1967، عُيّن مدرساً بجزيرة الحمودي، وعاد منها بعد عام واحد إلى مدرسة القلمينا المشتركة، التي ظلّ بها حتى حصوله على إجازة “تفرُّغ سياسي” للعمودية عام 1987.
في 16/ 6/ 1984، فُجعت القلمينا كلّها بوفاة العمدة أحمد إبراهيم (خال العمدة صلاح)، المفاجئة، وبعد انتهاء العزاء، أجمع كبارُ العائلة على ضرورة عودة “الأستاذ” صلاح من إعارته بالسعودية، (ومدتها 4 سنوات)، التي قضى منها عامين فقط، ليتمّ ترشيحه للعمودية، بعد خاله الراحل. لم يكن أمام “الأستاذ” بدٌّ من الاستجابة لنداء أهله/ قريته، التي رأت أنّه الأنسب ليتحمّل المسؤولية وقتها. وفي 5/ 11/ 1987، تولّى (العمدة صلاح) مهامّه رسمياً، (كان عمرُه وقتها 42 عاماً)، وتخلّى “الأستاذ” عن الطباشير، والسبورة، والعصاية، والكراسات، والفصول، ليصبح مسؤولاً عن قرية بأكملها؛ من كل النواحي، أمنيّاً واجتماعياً وتعليمياً، و… و…
بدأ العمدة الشاب حياته “السياسية” متسلحاً بذكاء اجتماعي لافت، وثقافته كمُربٍّ للأجيال، وفي سنوات قليلة، استطاع أن يصنعَ لنفسه اسماً، ويبرز دوره الاجتماعي والسياسي، ليس على صعيد قريتنا فقط، بل ومجاوراتها، وبرزت مساهماته في المصالحات وحلّ الخلافات، سواء بين القرى أو بين العائلات فيها.
كوّن العمدة صلاح شبكة علاقات متعدّدة ومتشعّبة، في القرى والمراكز المحيطة، وكذا من خلال عمله عضواً بالمجلس المحلّي لمحافظة قنا، لدرجة أن الواحد منّا إن قال أمام أحد – من داخل المحافظة أو من خارجها – إنه من القلمينا/ مركز الوقف، يبادره السامع على الفور: بلد العُمدة صلاح؟!
طوال 34 عاماً تطوّرت قريتنا كثيراً، وساهم الرجل بعلاقاته واتصالاته وتقدير الجهات المعنيّة له، في إنشاء العديد من المنشآت الخدمية المهمّة في البلد، ومن أبرزها: مدرسة العروبة عام 1991، ومدرسة الشيخ جاد 2001، والمدرسة الثانوية 2015، ومركز الشباب، والجمعية الزراعية، ومكتب البريد، ووحدة الشؤون الاجتماعية، وسور جبّانة القلمينا، وغيرها كثير.
ظلّ الرجل طوال حياته راعياً للتعليم، ومتابعاً للحالة التعليمية بالقرية، حتى أنه اختير رئيساً لمجلس الأمناء بإدارة الوقف التعليمية، قبل سنوات، وحتى رحيله. وقد انضمت القرية أخيراً، بجهوده واتصالاته، إلى برنامج التنمية والتطوير (حياة كريمة)، الذي ترعاه الدولة، للنهوض بقرى الصعيد.
أكرم الله العمدة صلاح – يرحمه الله – بـ 6 من الأبناء؛ أ. محمد (محاسب بالقاهرة)، م. أحمد (رئيس شبكة مياه الشرب بالوقف)، أ. محمود (بالمصرية للاتصالات)، أ. حسام (وكيل نيابة)، علا وأسماء (كلية الحقوق قنا). رحم الله أستاذنا وعمدة قريتنا وزعيمها، وصانع نهضتها، وبارك في أهله وذرّيته، وجعلهم خير خلف لخير سلف….. ندعو الله ان يتغمده بواسع رحمته وعظيم مغفرته.