اللواء رضا يعقوب المحلل الاستراتيجي والخير الأمني ومكافحة الإرهاب تحولت الإنتفاضة السلمية ضد نظام الرئيس السورى، بشار الأسد، التى إندلعت قبل عشر سنوات الى حرب أهلية واسعة النطاق. وخلف هذا الصراع أكثر من 380 الف قتيل ودمر مدنا سورية وجر اليه دولاً أخرى. قبل إندلاع هذا الصراع، إشتكى كثير من السوريين من إرتفاع نسبة البطالة والفساد وغياب الحريات السياسية تحت حكم نظام بشار الأسد الذى خلف حافظ الأسد فى الحكم بعد وفاته عام 2000. وفى مارس/آذار 2011، إندلعت الإحتجاجات المطالبة بالديمقراطية فى مدينة درعا جنوبى البلاد متأثرة بإنتفاضات مشابهة فى دول المنطقة ضد حكامها المستبدين. وإستخدمت الحكومة السورية القوة لسحق هذه المظاهرات وهو ما أجج المزيد من الإحتجاجات المطالبة بإقالة الرئيس فى مناطق أخرى فى أنحاء البلاد. وإنتشرت الإضطرابات فى البلاد وإشتدت وطأة الأمن فى سحق الإحتجاجات. ومع الوقت حملت المعارضة السلاح للدفاع عن نفسها فى المقام الأول ولاحقاً للتخلص من قوات الأمن فى المناطق التى سيطرت عليها وتعهد الأسد بسحق ما وصفه بـ الإرهاب المدعوم من الخارج. وتصاعدت وتيرة العنف سريعا وغرقت البلاد فى الحرب الأهلية. وخرجت مئات المجموعات من المعارضة المسلحة، بحيث تحول الأمر سريعاٍ لما هو أكبر من مجرد خلاف بين فريقين مع وضد الأسد. وبدأت القوى الغربية فى إنتقاء الأطراف التى تدعمها بالمال والسلاح والمقاتلين. ومع تدهور الأحوال وإنتشار الفوضى، ظهرت المنظمات الجهادية المتطرفة بأهدافها الخاصة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة. وزاد هذا الوضع من مخاوف المجتمع الدولى الذى يرى مثل هذه المنظمات تهديداً كبيراً للأمن والسلم الدوليين.وظهر بُعد جديد فرضه وجود الأكراد السوريين الذى طالما أرادوا حكماً ذاتياً، وإن كانوا لم يقاتلوا ضد قوات نظام الأسد. وثق المرصد السورى لحقوق الإنسان وهو جهة مراقبة مقرها المملكة المتحدة ولها مصادر على الأرض فى سوريا، إجمالى عدد القتلى بحوالى 387,118 قتيل بحلول ديسمبر/كانون الأول 2020، من بينهم 116,911 مدنى. ولا تشمل هذه الحصيلة 205,300 شخصاً آخرين يقال إنهم مفقودون وفى عداد الموتى. من بين هؤلاء 88 الف مدنى يرجح أنهم قُتلوا أثناء التعذيب فى سجون النظام السورى. وسجلت مجموعة مراقبة أخرى هى مركز توثيق الإنتهاكات، ما اعتُبر خروقات للقوانين الإنسانية الدولية وقانون حقوق الإنسان من بينها إستهداف للمدنيين. ويعتمد هذا المركز فى معلوماته على ما يرصده النشطاء فى أنحاء البلاد. ووثق 226,374 حالة وفاة أثناء القتال و135,634 حالة وفاة بين المدنيين حتى ديسمبر/كانون الأول 2020. كما قتل وأصيب نحو 12 ألف طفل فى هذا الصراع وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف). أبرز داعمى الحكومة السورية هما روسيا وإيران فى حين دعمت تركيا والقوى الغربية وعدد من دول الخليج المعارضة بدرجات متفاوتة خلال العقد الماضى. روسيا: كانت لديها قواعد عسكرية فى سوريا من قبل الحرب. وأطلقت حملة جوية لدعم الأسد فى عام 2015 والتى كانت حاسمة فى ترجيح كفة الحكومة فى الحرب. ويقول الجيش الروسى إن ضرباته الجوية تستهدف مواقع إرهابية لكن نشطاء يقولون إنها تصيب المعارضين والمدنيين بشكل متكرر. إيران: يرجح أنها أرسلت مئات الأفراد وأنفقت مليارات الدولارات لدعم الأسد. كما يقاتل آلاف المسلحين الشيعة بجوار الجيش السورى وهم مجموعات مدربة ومدعومة من إيران وحزب الله اللبنانى وكذلك يأتى بعض المقاتلين من العراق وأفغانستان واليمن. وقدمت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة دعما فى البداية لما إعتبروه مجموعات معارضة معتدلة. لكنهم يعطون الأولوية للمساعدات غير القتالية بعد أن سيطرت المجموعات الجهادية على المعارضة المسلحة. كما شن التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة ضربات جوية، وأرسل قوات خاصة الى سوريا منذ عام 2014 لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية، وهو تحالف من المقاتلين العرب والأكراد، على إنتزاع الأراضى التى سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية فى شمال شرق البلاد. تركيا: داعم كبير للمعارضة، لكنها تركز على إستغلال مجموعات المعارضة المسلحة لمجابهة وحدات حماية الشعب الكردية التى تسيطر على تحالف قوات سوريا الديمقراطية. وتتهم تركيا وحدات حماية الشعب بأنها إمتداد لحزب العمال الكردستانى المحظور فى البلاد. وسيطرت تركيا والمجموعات الموالية لها على مساحات كبيرة بطول حدودها مع شمال سوريا وتدخلت لصد هجوم القوات الحكومة على آخر معقل للمعارضة فى إدلب. السعودية: تحرص على مجابهة النفوذ الإيرانى ودعمت المعارضة. وكذلك فعلت منافستها الخليجية قطر. إسرائيل: أظهرت مخاوفها مما رأته نفوذاً عسكرياً إيرانياً فى سوريا، وشحنات الأسلحة الإيرانية لحزب الله وغيرها من الميليشيات الشيعية حتى أنها أطلقت حملات جوية بوتيرة متسارعة فى محاولة لمواجهتهم. بخلاف مئات الآلاف من الوفيات يعاني أكثر من 2.1 مليون مدنى من إصابات وإعاقات دائمة بسبب هذا الصراع، وفقا للمرصد السورى لحقوق الإنسان. وبلغ تعداد ساكنة سوريا قبل الصراع حوالى 22 مليون نسمة فر أكثر من نصفهم من بيوتهم بعد الحرب. ويبلغ عدد المهجرين داخل البلاد حوالى 6.7 مليون شخص، يعيش كثير منهم فى مخيمات فى حين سُجل 5.6 مليون آخرين كلاجئين فى الخارج. ويستضيف لبنان والأردن وتركيا حوالى 93 فى المائة من اللآجئين السوريين ويعانون لإحتواء هذا العدد الكبير من اللآجئين الذى يوصف بأنه أكبر موجة نزوح فى التاريخ الحديث. وولد مليون طفل سورى فى بلاد اللجوء. وبحلول يناير/كانون الثاني 2021 قدرت الأمم المتحدة أعداد السوريين المحتاجين لمساعدات إنسانية داخل سوريا بحوالى 13.4 مليون شخص من بينهم ستة ملايين فى أمس الحاجة لها. ويجاهد أكثر من 12 مليون شخص للعثور على الطعام كل يوم فى حين يعانى نصف مليون طفل من سوء تغذية مزمن. وجاءت الأزمة الإنسانية العام الماضى مصحوبة بتدهور إقتصادى غير مسبوق إذ إنخفضت قيمة العملة السورية بشكل كبير، ما أدى الى إرتفاع جنونى فى أسعار الطعام. كما تعانى البلاد من إنتشار إصابات كورونا التى لا يُعرف مداها بالتحديد بسبب القدرات المحدودة على إجراء الإختبارات وتردى نظام الرعاية الصحية. وتستمر حالة الخراب فى كثير من الأحياء والبنى التحتية الأساسية بعد عقد من القتال. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التى التقطتها الأمم المتحدة تدمير أو تخريب أكثر من 35 الف بناية فى مدينة حلب وحدها قبل أن تستعيد قوات النظام السورى السيطرة عليها في نهاية عام 2016. ورغم الحماية التى تتمتع بها الخدمات الصحية تعرضت 350 منشأة صحية لـ 595 هجمة متفرقة حسب ما وثقته منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان بحلول مارس/آذار 2020، وهو ما أدى الى مقتل 923 من أفراد الطواقم الطبية. وتسببت هذه الهجمات فى تعطيل المرافق الطبية بحيث تعمل نصف مستشفيات البلاد فقط بشكل كامل. كما تعرض كثير من مواقع الآثار والتراث السورى للتدمير. وأصيبت مواقع التراث العالمى الستة فى البلاد بخسائر كبرى إذ فجر مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية عدة مواقع فى مدينة تدمر التاريخية. وإتهم محققو جرائم الحرب الأمميين كل الأطراف بإرتكاب خروقات مشينة. ويذكر تقريرهم الأخير أن السوريين عانوا من قصف جوى هائل لمناطق ذات كثافة سكانية كبيرة وتحملوا هجمات بالسلاح الكيماوى وكذلك الحصار الذى تعمد فيه المعتدون تجويع السكان وفرض قيود شديدة ومخجلة على وصول المساعدات الإنسانية. إستعادت الحكومة السيطرة على أكبر المدن السورية لكن أجزاء كبرى من البلاد ما زالت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، أو الجهاديين أو قوات سوريا الديمقراطية التى يسيطر عليها الأكراد.وأقوى معاقل المعارضة المتبقية هى إدلب فى شمال غرب البلاد والمناطق المجاورة فى شمال حماة وغرب حلب. وتسيطر هيئة تحرير الشام الموالية لتنظيم القاعدة على المنطقة. لكنها تضم كذلك فصائل المعارضة المسلحة الأخرى. ويعيش أكثر من 2.7 مليون نازح فى هذه المنطقة من بينهم مليون طفل، فى مخيمات أوضاعها متردية. وفى مارس/آذار 2020 أُبرم إتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة تركية وروسية، لوقف تحرك الحكومة نحو إستعادة السيطرة على إدلب. ويسود المنطقة هدوء نسبى منذ ذلك الحين، لكن هذا الإتفاق قابل للإنهيار فى أى وقت. وأطلقت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها حملة فى شمال شرق سوريا فى أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد قوات سوريا الديمقراطية بهدف خلق منطقة آمنة خالية من أى وجود لوحدات حماية الشعب الكردية على الجانب السورى من الحدود بين سوريا وتركيا. وتسيطر هذه القوات على 120 كيلومترا فى هذه المنطقة منذ ذلك الحين. ولمواجهة التحرك التركى أبرمت قوات حماية الشعب إتفاقاً مع الحكومة السورية يمكن الجيش السورى من العودة للمناطق الكردية لأول مرة منذ سبع سنوات. وتعهدت الحكومة بإستعادة السيطرة على هذه المنطقة بالكامل. لا يبدو أن هذا قد يحدث فى أى وقت قريب، لكن الجميع يتفق على أهمية الحل السياسى. وفشلت محادثات جنيف 2 التى شهدت تسع جولات مناقشة، فى إحداث أى تقدم. ويبدو أن الرئيس السورى غير مستعد للتفاوض مع مجموعات المعارضة السياسية التى تصر على خروجه من منصبة كجزء من التسوية. وتوصل الأطراف لإتفاق فى العام التالى بتشكيل لجنة من 150 فرداً لكتابة دستور جديد، ينتهى الى إقامة إنتخابات حرة وعادلة بإشراف أممى. لكن فى يناير/كانون الثانى 2021 قال المبعوث الأممى الخاص الى سوريا غير بيدرسون إنهم حتى لم يبدؤوا كتابة مسودات للإصلاحات. وأشار بيدرسون الى أنه فى وجود خمسة جيوش أجنبية نشطة فى سوريا لذلك لا يمكن للمجتمع الدولى التظاهر بأن حل الصراع فى أيدى السوريين وحدهم.