“أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة”.. هكذا قال النبي الكريم للحث على كفالة الأيتام والقيام برعايتهم، لكن البعض تعمد مخالفة هذا النهج النبوى الرحيم، وراح يتعامل مع هذه الفئة الضعيفة بقسوة ووحشية، فخلال السنوات الماضية شهدت العديد من دور الأيتام وقائع تعذيب للأطفال الأيتام على يد أشخاص من المفترض أن يقدموا لهم الرعاية والتوجيه ويقوموا منهم مقام الآباء والأمهات.. متناسين أن هؤلاء الابرياء ليس لهم ذنب في سلوك أب منحرف أو أم مات قلبها، ويحتاجون لمن يمد لهم يد العطف والاشفاق ليخرجوا للمجتمع أسوياء نافعين.. بالتأكيد ليست كل دور الأيتام (سلخانات) وليس كل القائمين عليها غلاظا شدادا معدومي المشاعر.. فهناك الكثير من الدور ترعى الله في هؤلاء الاطفال وتقدم لهم الرعاية انطلاقا من تعاليم ديننا الحنيف والمشاعر الانسانية الصادقة. أقول هذا بمناسبة قرار المحكمة الادارية العليا الصادر منذ أيام بفصل موظف كبير بوزارة التضامن الاجتماعي من الخدمة لتستره على رئيس مجلس ادارة دار للأيتام في تعذيب الاطفال لمدة 4 سنوات وعدم اتخاذه الاجراءات ضده في الواقعة التي تعود لعدة سنوات.. وعاقبت المحكمة رئيس مجلس ادارة الدار و12 من كبار العاملين بوزارة التضامن. وأقرت المحكمة عدة مبادئ لحماية الاطفال بدور الايتام من قسوة وانحراف بعض القائمين عليها، مؤكدة أنه لا يكفي توافر الشروط القانونية لدور الايتام بل يجب أن يكون القائمون عليها مؤهلين تربويا ونفسيا للتعامل مع هؤلاء الاطفال وعلى وزارة التضامن وضع معايير قياسية للمعاملة القائمة على احترام كرامة الاطفال الايتام. هذه الوقائع المؤسفة تدفعنا للتساؤل بحسرة: ألا يكفي هذه البراعم البريئة قسوة الحياة وما أصابتهم به من بؤس وشقاء ففقدوا حنان الأم ورحمة الأب، وخرجوا الى الدنيا محرومين من نداء (بابا – ماما) الذي يحمل في طياته الأمان، ويُشعر الابن أن له ركنا شديدا يركن اليه كلما ألمت به الخطوب أو واجهته المصاعب. وكأن هؤلاء الغلاظ قد استكثروا على اليتامى أن يجدوا عِوضا عما فقدوا من الحنان والرعاية فراحوا يذيقونهم سوء العذاب وكأنهم جُناة وليسوا مجنيًّا عليهم، والسبب أنهم اتخذوا من هذه الدور مشروعا لجمع التبرعات والحصول على الدعم من الدولة والتي لا تعود على النزلاء الصغار بشيء. إن إقامة أي دار للأيتام لابد أن يصاحبها إيمان بالمسئولية الأدبية والإنسانية والوطنية عن هؤلاء الاطفال الذين يمكن أن يكونوا قوة فاعلة ومنتجة ويخرج من بينهم علماء ونوابغ إذا أحسن التعامل معهم.. وفي الوقت نفسه يمكن أن يكونوا قنابل موقوتة تهدد المجتمع وتخرج اليه ساخطة وناقمة، أو منكسرة ومحطمة، إذا تم التعامل معهم بمنطق البيزنس واعتبارهم مجرد (رءوس) تتم المتاجرة بها لحصد المزيد من الأموال.