تحظى الهند بخصوصية على المستوى الثقافي والحضاري فهي ثاني أكبر شعوب العالم من حيث عدد السكان برقم يزيد عن 1.2 مليار مواطن بالإضافة إلى ترتيبها السابع بين أكبر الدول من حيث المساحة.
وتحفل هذه البيئة المتنوعة والثرية بالتعدد الإثني والقومي والذي يعكس معه تفاوت في الانتماء الديني والطائفي حيث تتواجد الهندوسية والإسلامية والمسيحية ثم البوذية وطائفة السيخ.
وتزخر الهند أيضاً التي يتحدث السكان فيها اللغتين الهندية والإنجليزية كلغتين رسميتين في البلاد بالإضافة إلى 41 لغة أخرى بتباينات عديدة قيمية ومجتمعية خلقت معها غرائب مثيرة في ممارسة بعض الطقوس التي ربما يتوافق بعضها مع السائد بينما يرى آخرون في بعضها الآخر أنه مختلف عنهم وغير تقليدي.
ظاهرة الانتحار بالغرق
ومن أغرب الطقوس الروحانية التي تتميز بها الهند، حسب المعتقدات السائدة هي الانتحار بالغرق فهذه الظاهرة هي الأكثر غرابة وانتشارا حيث تعد من أعلى الدول في معدلات الانتحار على الإطلاق ففي 2012 سُجلت نحو 135،445 حالة انتحار بمعدل 371 حالة انتحار في اليوم وذلك وفقا لبيانات المكتب الوطني لسجلات الجريمة.
كما أشارت منظمة الصحة العالمية طبقا لآخر إحصائية أن 30 ٪ من جميع حالات الانتحار حول العالم تحدث في الهند والصين.
معتقد لبعض الطوائف
ويشير الدكتور باشي كاركاري باحث علم الاجتماع الهندي إلى أن ظاهرة الانتحار بالغرق هي بمثابة معتقد عند بعض الطوائف الهندية وللأسف انتشرت بين فئة الشباب خاصة في السنوات الأخيرة.
وأضاف كاركاري أن الطقوس الهندية وارتباطها بالموت ناجم عن تنوع العرقيات الكثيرة والمنخرطة في إقليم الهند الشاسع المساحة رغم تفاوت الطوائف الدينية.
ويلمح باحث علم الاجتماع الهندي إلى أن الاحتفال بالموت له طقوس عدة لكنها تحمل دلالات من بينها مدى الحب للمتوفي ومحاولة اكتساب روحه بداخل نفوس وأرواح محبيه كما أنها معتقد ديني يحاولون من خلاله الاحتفاء بالمتوفي وذلك لمكانته الرفيعة لديهم.
فاراناسي أيقونة حرق الجثث
وفي مدينة فاراناسي بولاية أوتار براديش بالهند، يقام احتفال فريد من نوعه يمزج ما بين الموت والحياة بطريقة فريدة ومرعبة بينما لا تخلو من طرافة في آن فالأموات ضيوف شرف والأحياء أشبه بمن شارف على فقد عقله.
فمدينة فاراناسي تعتبر من أقدس المدن السبع في الديانة الهندوسية فضلا عن كونها واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم والتي تشيد بها المحارق الخاصة بحرق جثث المتوفين وتستخدم منصة منفصلة لحرق جثث الرجال الهندوسيين المقدسين.وعند وفاة شخص يتم وضعه وسط الأخشاب ثم إشعال النيران داخلها فتحترق الجثة وهو يعتبر تكريما للميت عندهم واللافت في الأمر أنه لإثبات ولاء الزوجة (الأرملة) يتم حرقها معه.
وبالنسبة للمتدينين من أتباع الديانة الهندسية فإن مدينة فاراناسي هي المكان الأمثل لمفارقة الحياة وهذا الاعتقاد نابع من إيمانهم بأن إحراق الجثة في تلك المدينة سيجعل الروح تمضي في دورة التقمص من حياة لأخرى ويجعلها تنضم إلى نعيم الخلود.
وقد وصف الروائي الأمريكي الشهير مارك توين مدينة فاراناسي الهندية بأنها أقدم من التاريخ وأقدم من التقاليد وحتى أقدم من الأساطير وبعد مرور أكثر من قرن على كلمات توين لا تزال المدينة تعيش بمعزل عن التطور المرتبط بأي مدينة في القرن الواحد والعشرين وهذا لأن هذه المدينة التي تُعتبر العاصمة الروحية للديانة الهندوسية منذ ألف عام لا تعطي المستقبل كثيرا من اهتمامها.
إذ كرست فاراناسي نفسها لأن تكون مدينة الموت فالموت فيها يعتبر فنا يدعو للاحتفال وتقليد مهم للعبور من جانب لآخر لدرجة جعلت شوارعها تمتلئ بالأشخاص الذين يمارسون تقاليد متعلقة بالموت.
وفي هذه الأجواء الاحتفالية يسكب المحتفلون تراب المتوفين الذين تم حرقهم فوق رؤوسهم أثناء الرقص والغناء في احتفالات الحياة والموت.
وتؤكد الدكتورة حندقها إبراهيم أستاذ مساعد اللغات الشرقية بجامعة عين شمس. أن هذه الطقوس الغريبة وخاصة الاحتفال بالموت من أهم ما تتميز به قبيلة ساتيا الهندية مضيفة عندما يموت أحد أفراد القبيلة وتقيم العزاء وفي نفس الوقت يولد طفل جديد للقبيلة فإنها تؤخر مراسم العزاء حتى تواكب مراسم الميلاد للطفل الجديد وهو ازدواج في المشاعر الإنسانية تتفرد به هذه القبيلة البدائية في احتفالاتها والتي ترفض حالة المدنية التي تنتهجها الهند.
وتضيف الدكتورة حندقها أن سبب شهرة هذه المدينة بين أتباع الديانة الهندوسية كوجهة للموت هو إيمانهم بأن إحراق جثثهم فيها سيحرر أرواحهم وسيجعلها جزء من الروح الإلهية الخالدة في النعيم ولهذا يعتقدون أن رحلة تحرر الروح تبدأ على عتبات الدرج الذي يقود إلى نهر غانغ حيث توجد المحارق التي تستعمل في الجنازات.
وتشير إلى أن طلاء المشاركين وجوههم باللون الأحمر وقرعهم للطبول وإشعالهم النيران في الجثث يعد نوعا من عادات تقديم العزاء للموتى وأسرهم.