منذ 15 عاما عقدت آخر انتخابات فلسطينية.. ومن يومها والوضع الفلسطيني فى تدهور وشقاق لم يلتئم حتى الان بين أكبر فصيلين فلسطينيين وهما فتح وحماس.. وقد مر هذا الملف بالعديد من المحطات التي شكلت ملامح الأزمة التي تفاقمت حتى وصلت الى طريق مسدود وأصبح لزاما على العقلاء أن يوجدوا مساحات التقاء بين الأشقاء لإنهاء هذا الانقسام الذي يصب في النهاية في صالح الاحتلال الاسرائيلي، ولا أقرب إلى الأشقاء من الشقيقة الكبرى مصر التي تعتبر أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية على مر تاريخها، لهذا جاءت المساعى الأخيرة من جانب القاهرة لجمع الفرقاء الفلسطينيين على مائدة الأخوّة والصالح الفلسطيني العام.. بدأت الأزمة من لحظة فوز حركة حماس فى انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 بـ 74 مقعدا مقابل 45 لحركة فتح، وقيام زعيم حماس إسماعيل هنية بتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة رئيس الوزراء أحمد قريع، لكن هذه الحكومة قوبلت بحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، وبرفض التعامل معها من قبل حركة فتح وتصاعد الموقف حتى وصل الى الاشتباك بين الاجهزة الامنية التابعة لحركة فتح وبين مقاتلي حماس..
وفي عام 2007 كانت هناك سلطتان منفصلتان في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، الأولى تحت سيطرة فتح والثانية تحت سيطرة حماس، مما دفع العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز لدعوة الحركتين للتحاور، بين كل من محمود عباس ومحمد دحلان عن حركة فتح، وخالد مشعل وإسماعيل هنية عن حركة حماس ووقعت الحركتان ما عرف بـ”اتفاق مكة”، وكلف الرئيس محمود عباس، إسماعيل هنية بتشكيل “حكومة الوحدة الوطنية”، إلا أن الاتفاق فشل.. حيث تجددت الاشتباكات حتى انتهى الأمر بسيطرة حماس على قطاع غزة ليتحول الانقسام الجغرافي إلى انقسام سياسي. وفي رام الله أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس إقالة حكومة إسماعيل هنية، وتكليف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة، وقد رفضت حماس ذلك القرار واعتبرته “انقلابا ضد الشرعية وتجاوزا لكل القوانين الفلسطينية”، ووصفت القرارات التي اتخذها الرئيس الفلسطيني بأنها “قرارات متسرعة”. بعد أكثر من عامين وتحديدا في 2009 وبعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، تجددت الوساطة بين الفصائل لتكون هذه المرة مصرية حيث أعدت القاهرة” الورقة المصرية” وسارعت حركة فتح للتوقيع عليها بينما قالت حماس إنها بحاجة لوقت لدراستها قبل أن تطلب إدخال تعديلات عليها، لكن السلطات المصرية رفضت الطلب، وهو ما أدّى إلى تجميد الأمور من جديد لشهور طويلة.
في عام 2010 عاد الحراك مجددا إلى ملف المصالحة بعد لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ورئيس المخابرات المصرية الراحل اللواء عمر سليمان، عقد على أثره لقاء بين فتح وحماس بالعاصمة السورية دمشق في نوفمبر 2010م، وتم الإعلان عن جلسة جديدة أواخر ديسمبر، لكن هذا اللقاء لم يعقد، وتبادلت الحركتان الاتهامات بالمسئولية عن تعطيله. وفي 4/5/2011م وقّعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة (وثيقة الوفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني) وأقيم احتفال موسع بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير خارجية مصر نبيل العربي ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
وفي 23 أبريل 2014 أعلن في غزّة أن اجتماعات بين فتح وحماس أسفرت عن اتفاق على المصالحة والالتزام باتفاق القاهرة، والعمل على إنشاء حكومة توافق وطني، وإجراء انتخابات بعد 6 أشهر على الأقل من تشكيل الحكومة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني. وأدت حكومة الوفاق الوطني اليمين القانونية في الثاني من يونيو 2014، حيث ضمت في عضويتها وزراء من الضفة الغربية وقطاع غزة وكانت آمال المواطنين الفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة معلقة على هذه الحكومة، حيث طالبوها بالعمل على رفع الحصار وتحسين الأوضاع المعيشية الصعبة في نتيجة الحصار المفروض عليه منذ عام 2007. لكن ومع مرور الوقت، لم يلحظ المواطنون أي تغير على واقعهم، بل ازدادت الأوضاع صعوبة وخصوصا بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أواخر 2014.
ومع مرور الأعوام لم تغب القضية الفلسطينية عن اهتمام الدولة المصرية التي تحرص على استقرار الاشقاء وخاصة المجاورين لها مثل ليبيا وفلسطين والسودان فسعت لرأب الصدع بين الاشقاء الفلسطينيين في محاولة لإنهاء الانقسام حيث اعلنت كل من فتح وحماس مؤخرا انهما توصلتا مع باقي الفصائل الى اتفاق على آليات اجراء اول انتخابات فلسطينية منذ 15 عاما وذلك خلال اجتماعات جرت في القاهرة، وتم الاتفاق على العودة للقاهرة الشهر المقبل لوضع اسس وآليات تشكيل المجلس الوطنى الجديد بالانتخاب والتوافق. وكان الرئيس محمود عباس أصدر مرسوماً يقضي بإجراء الانتخابات العامة على 3 مراحل. على أن تجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو 2021، والرئاسية 31 يوليو، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني. ويشير المرسوم إلى أنّه سيتم استكمال المجلس الوطني في 31 أغسطس 2021، وفق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتفاهمات الوطنية. وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” إنّ عبّاس تلقّى اتّصالاً هاتفياً من رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ونقلت عن هنية “إشادته بنتائج حوارات القاهرة” وتأكيده على عزم حماس “الاستمرار في الحوار وصولاً لإنجاح إجراء عملية الانتخابات وإنهاء الانقسام”.
جهود حثيثة تبذلها مصر برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي لإنهاء الانقسام الفلسطيني وضخ الدماء في الجسد الفلسطيني المريض ليصبح قادرا على الوقوف صفا واحدا في وجه الاحتلال الاسرائيلي ومواجهة التحديات الكبيرة التي تشهدها المنطقة بما يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف نأمل أن تكلل بالنجاح والكرة الآن في ملعب الفلسطينيين أنفسهم لإنجاح أو إفشال –لا قدر الله- هذه المبادرة.