تستفحل ظاهرة المشردين من المرضى النفسيين وذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الهمم وضحايا المشكلات الاجتماعية والعائلية في كبريات المدن في إقليم كردستان العراق حيث تجدهم خاصة على مواقف الإشارات الضوئية المرورية وفي الشوارع والأزقة والأسواق وسط تلك المدن لا سيما الشعبية منها.
ورغم أن الناس يساعدونهم ويمدونهم بالطعام والشراب وغيرهما من مستلزمات لكنهم خاصة في هذا الجو البارد يلتحفون السماء وتجدهم يتخذون من أبنية متهالكة ودكاكين مهجورة وآيلة للسقوط مكانا لمعاشهم ونومهم في مشاهد تفطر القلب لكن من دون أن يحرك أحد ساكنا.
ويوجه الباحثون الاجتماعيون النقد الحاد لمؤسسات حكومة إقليم كردستان العراق ذات الصلة، لعدم إيلائها هذا الموضوع أية أهمية وترك هؤلاء المواطنين المشردين بلا مأوى وبلا رعاية أو احتضان.
في المقابل تحاول منظمات وهيئات مدنية معنية بحقوق الإنسان سد ثغرة الإهمال الحكومي لهذه الفئة المغبونة من المجتمع لكنها تبقى عاجزة بطبيعة الحال عن وضع وبلورة حلول متكاملة ومستدامة لهذه المشكلة الخطيرة نظرا لضعف إمكانياتها ومحدودية قدراتها.وآخر هذه المبادرات الأهلية والمدنية الإعلان عن تأسيس هيئة بنا (أي سند بالعربية) التطوعية التي تختص بالإسهام في معالجة هذه الظاهرة ووضع حد لها عبر عقد ما يشبه مؤتمرا تأسيسيا لها شارك فيه جملة من المثقفين ونشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والباحثين في علوم الاجتماع.
وقد استضافت مؤسسة جمال عرفان الثقافية بمقرها في مدينة السليمانية إشهار هذه الهيئة.
وفي حديثهم خلال مراسيم الإعلان عنها انتقد المشرفون على الهيئة دور الرعاية التابعة للحكومة ووزارة الشؤون الاجتماعية لكونها مثلا لا تستضيف من تقل أعمارهم عن 62 عاما فضلا عن عدم إيوائها من يعانون من أمراض نفسية مزمنة مما يشكل ثغرة في عمل هذه الدور الحكومية التي تبقى مقارباتها قاصرة عن الإحاطة بمختلف تعقيدات هذه القضية الإنسانية الملحة.
فهل نترك من لا تنطبق عليه معايير واشتراطات هذه الدور في العراء؟ تتساءل المشرفة على الهيئة لنجى خاوي في حديثها لوسائل الإعلام خلال المؤتمر .وتضيف: نسعى لإقرار تشريعات منصفة لهذه الشريحة المهملة من المجتمع فالقوانين الحالية لا تكفي ولا تفي بالغرض.
وأشارت إلى أن بعض أشكال مساعداتهم مثل تأمين مرافقين لهؤلاء المرضى النفسيين والمشردين في المشافي ومراكز الإيواء ريثما تتم معالجتهم واعادة تأهيلهم.
وأكدت سعيهم مستقبلا كهدف أساسي لمبادرتهم التطوعية هذه كمجموعة من الشباب إلى افتتاح دور كبيرة وبمواصفات عالمية في كل من السليمانية وأربيل لاستضافة واحتضان حالات المشردين والهائمين على وجوههم في الشوارع والجادات.
وأردفت: الصيرورة التي جعلتني أنت وأنا نملك بيتا وحياة مستقرة هي ذاتها التي تسببت في حرمان هؤلاء من تلك الحياة الكريمة بفعل غياب العدالة الاجتماعية وعدم المساواة وهذه من مفاعيل ظاهرة تاريخية معقدة ومتجذرة تتصل بالتمييز المجتمعي والطبقي منه على وجه الخصوص.وأضافت: قد لا نتمكن من معالجة هذه المشكلة العويصة والمزمنة لكننا واثقون من قدرتنا أقله على التخفيف ولو قليلا عن هؤلاء الذين يعانون اجحافا مجتمعيا وحكوميا متعدد المستويات بحقهم عبر تركهم لمصيرهم في وقت هم بأمس الحاجة للرعاية والإرشاد والتوجيه والمعالجة.
وتحدث ريبوار أحد الشباب الحاضرين في المؤتمر قائلا: نسعى عبر هذه الفعاليات لتعزيز ثقافة العمل التطوعي والتكافلي في مجتمعنا حيث ثمة نقص فادح لدينا في المبادرات والكوادر التطوعية.
وأضاف: المشردون من أكثر فئات المجتمع حاجة للوقوف معهم فتخيل أنك بلا مكان وبلا بيت وبلا سرير يأويك. أشعر براحة وسعادة لا حدود لهما وأنا أساعد قدر استطاعتي هذه الفئة المضطهدة والمغلوبة على أمرها.