شكوك كبيرة تدور بشأن قدرة الحكومة السودانية الجديدة التي سيعلن عنها الأسبوع المقبل على التعامل مع التحديات الضخمة التي تواجه البلاد حاليا في ظل اتهامات متعددة.
وتتهم الحكومة القادمة بميل الأطراف المعنية بتشكيلها بنهج المحاصصات، وعدم الاهتمام بالبرامج والخطط في أمر وصفه البعض بأنه أشبه بوضع العربة أمام الحصان.
لكن الأطراف المشاركة في تشكيل الحكومة تقول إنها قدمت قوائم تتيح لرئيس الوزراء اختيار طاقم يشكل حكومة تعكس خبرات وثراء الشعب وتنوعه الجهوي والعمري والنوعي والسياسي.
وسيتم تشكيل الحكومة الجديدة من 26 وزيرا17 منهم من قوائم قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة و7 من الجبهة الثورية التي تضم عددا من الحركات المسلحة المشاركة في اتفاق السلام الموقع مع الحكومة السودانية في جوبا في أكتوبر الماضي فيما يتم ترشيح حقيبتي الدفاع والداخلية من قبل المكون العسكري في مجلس السيادة.
لكن الأطراف المشاركة في جهود تشكيل الحكومة فشلت في الوفاء بالجدول الزمني المقرر مما أثار نوعا من الإحباط في الشارع السوداني حول الخلافات والتباينات وانعدام الرؤى والبرامج التي يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها.
وتقول مصادر إن تأجيل إعلان الحكومة جاء بسبب الحاجة للمزيد من الوقت لتفحص القوائم واستكمال عملية الاختيار بالنسبة لـ25 حقيبة تسلم رئيس الوزراء قوائم مرشحيها فيما بقيت حتى وقت كتابة التقرير حقيبة واحدة بدون مرشحين بسبب خلافات داخل الجبهة الثورية.لا تحظى القوائم المقدمة لرئيس الوزراء بإجماع كاف في الشارع السوداني بل أن البعض يرى أنها تفتح الباب أمام أزمة تهدد مجمل العملية السياسية في البلاد.
ويرى الكثير من المراقبين إن واحدة من المشكلات تتمثل في عدم موائمة تلك القوائم لمعايير الكفاءة والخبرة اللازمة للتعامل مع هذه المرحلة الحرجة.
وتشير الصحفية درة قمبو إلى انعدام مساحة المناورة في ظل الضغوط الكبيرة من الشارع السوداني الذي يريد حكومة تخرج البلاد من أزماتها الحالية، وتكون قادرة على تحقيق شعارات الثورة وأهدافها.
وتقول قمبو إن شركاء الحكم يتحركون في مساحة ضيقة جدا لذلك يصبح من الصعب توقع تحقيق النجاح المطلوب.
وتنبه قمبو إلى خطورة الوضع الحالي وتقول إن المحبط هو ان خلافات الشركاء متعلقة بمحاصصات ونسب وليس حول القضايا الأساسية والبرامج والسياسات التي يجب أن تحكم البلاد على أساسها.
قاسم مشترك
وعلى الرغم من التباين الواضح في الرؤى والافكار والخلفيات السياسية إلا أن انعدام البرامج والسياسات يشكل القاسم المشترك بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق يقول الناشط السياسي محجوب كناري إن القوى المشاركة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة تضع العربة أمام الحصان وتتشاكس على تقاسم السلطة دون أدنى اهتمام بالبرامج والسياسات التي تنفذ خلال ما تبقى من المرحلة الانتقالية، والتي يأتي على رأسها وقف التدهور الاقتصادي والمعيشي واستكمال السلام.
تحديات كبيرة
يأتي تشكيل الحكومة الجديدة بعد أداء ضعيف على المستويين الاقتصادي والأمني على الرغم من مرور 16 شهرا على توليها السلطة عقب الإطاحة بنظام المخلوع عمر البشير في أبريل 2019، والذي خلف إرث ثقيل من الدمار الاقتصادي والأمني بعد 30 عاما من الحكم.
وتحكم الفترة الانتقالية بمزيج من السلطة العسكرية والمدنية مما أدى إلى حالة من الخلافات التي عطلت استكمال هياكل السلطة الانتقالية حتى الآن، الأمر الذي أضعف الفترة الانتقالية.
وفي الجانب الاقتصادي، تواجه البلاد مخاطر كبيرة في ظل ارتفاع الديون الخارجية إلى نحو 64 مليار دولار وانهيار الجنيه السوداني الذي فقد أكثر من 70 بالمئة من قيمته خلال أقل من 3 أسابيع وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات تفوق الـ 300 بالمئة حسب تقديرات مستقلة مما خلق أزمات معيشية خانقة وندرة كبيرة في السلع الأساسية كالخبز وغاز الطبخ والوقود والدواء.
أما في الجانب الامني فلا تزال مناطق في دارفور تشهد نزاعات قبلية دموية كان آخرها تلك التي حدثت في جنوب وغرب دارفور في يناير وراح ضحيتها أكثر من 300 قتيل وآلاف الجرحى والمشردين.
كما تشهد مناطق اخرى في شرق السودان هشاشة أمنية واضحة بسبب نزاعات قبلية محلية وأزمات خارجية تمثلت في التوتر الحدودي مع الجارة إثيوبيا.
ويتفاقم الوضع الأمني أكثر في ظل الانتشار الواسع للسلاح الغير مقنن والذي يقدر حجمه بنحو 2.5 ملايين قطعة سلاح تسعى السلطات المحلية لجمعها بالطرق الطوعية والقسرية.
ومن أبرز التحديات التي يمكن ان تواجه الحكومة الجديدة أيضا مدى قدرتها على خلق البيئة المناسبة لتسهيل عمل بعثة الأمم المتحدة الجديدة والتي وصل رئيسها الألماني فولكر بيرتس إلى الخرطوم مطلع الأسبوع، إيذانا ببدء مهمة البعثة المكلفة ببناء السلام ودعم التحول الديمقراطي والمساعدة في بناء مؤسسات الدولة ما بعد مرحلة السلام وصولا إلى وضع الدستور الدائم وإجراء انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية