كانت والدتي تجتهد فوق طاقتها ولا تستشعر التعب أو ربما كانت تقاوم ما تشعر به كانت بها صلابه وقوة لا أراها فى رجال اليوم حقآ لقد كانت إمرأة متميزة فى شخصيتها وصلابتها. كانت طبيعه نشأتها فى قريه من قري الزقازيق حيث أجواء الريف الهادئة وهوائها النقي وطبيعه أهلها البسيطه حيث يتميزون بصفاء السريرة والجود والكرم. فوالدتي تميزت بكل ذلك إلي جانب ما تعلمته من جدي رحمه الله عليه. وكانت لها من الاخوة خمسه رجال. والأخوات أربعة بنات كانت هي أكبرهم وأول مولودآ لجدي فكانت ترافقه فى كل شئ وكانت اليد اليمني له فكانت تزرع الأرض وتجمع المحصول وترعي البيت فتربت علي تحمل المسؤولية دون ضجر وكانت تستشعر بحجم ما رمي علي عاتقها فلم تتهرب يوماً أو تشعرهم بأنها متعبه. كانت تقوم بدورها كأخت كبري فكانت ترعي وتهتم بأخواتها. وحكي لي والدي رحمه الله عليه أنه أعجب بوالدتي حبآ بها وبشخصيتها القويه لأن حقا من يتحمل مسؤليه البيت والأرض والأخوات دون أن تتذمر يوماً فهي صاحبه شخصيه قويه ومتميزة. فأراد أن تشاركه حياته وهو لم يتجاوز الثالثه والعشرون بعد وكان يسكن في غرفه فى بيت والدة ورغم ذلك وافقت والدتي ووقفت بجانب والدي كثيراً ولم تشتكي له يوماً من ضيق المكان أو المعيشه. بل كانت تساندة وتدفعه للأمام وتفكر له في كل ما يجعله في مكانه أفضل ولذلك كان والدي يترك لها كل شئ لتديرة ثقه ف عقلها وتدبير أمور حياتها. فأخذت بيده ومع الوقت أنتقلوا لمكان أفضل وتحسنت حياتهم من حيث المعيشه وكان يسافر والدي كثيرا إلي الخارج ونحن صغار فكانت تقوم بدور الأب ف غيابه وكانت صارمه عند الخطأ وفي منتهي الحب والحنان في المواقف كان من يأتينا غريبآ او عابر سبيل يندهش من كل هذا الكرم الذي تبذله لأجله. أني أتذكر موقفآ لم أنساه ولن يمحي من ذاكرتي.. في يوم من الأيام أحتاج عمي من والدتي مبلغ ثلاثمائة جنيه لأمر ضروري لديه لأن والدي كان مسافرآ حينها ولم يكن ف بيتنا غير هذا المبلغ. فلم تتردد والدتي فى أرسالهم له رغم أننا لا نمتلك غيرهم ف بيتنا فقولت لها وأحنا هنتصرف ونعيش إزاي دلوقتي. إلا أنها قالت لن ينسانا الله وزي ما فرجها قبل كده هيفرجها تاني منتهي الطمأنينة والوصال بالله ويقين بأن الله معها وكان فرج الله قريب حقا فهى علي صله به أكثر منا نحن رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب لكن بداخلها قلبآ نقي. ولذلك كان والدي يحمل همها كثيراً ويعاملها بلطف حتي وان خلاف بينهم لا يجعله يطول ولا يقطع عاداته معها فأتذكر يوماً أحتد الحوار بينهم وخرج غاضباً وعند رجوعه آخر اليوم رأيته يضع المال تحت رأسها ولم يوقظها لعلمه وأحساسه بأنها متعبه. فكم من اللين والمحبه كانت بينهم وكم من توقير كان يفعله والدي لها أمام الناس وأمام أهله. فكل هذا لأجل إمرأة متفردة بشخصيتها الاصليه وتمسكها بأصالتها ونشأتها كل هذا جعل منها إمرأة فريدة كل من عرفها أيقن بأنه مجبل علي إحترامها وتوقيرها. إن والدتي فخراً لكل من عرفها وكانت فخراً لوالدها ولزوجها ومازالت فخراً لنا. فوالدتي نموذج من نماذج المجتمع المصري والذي به الكثير والكثير فكم أتمنى أن نري المرأة اليوم تقتدي بهذه النماذج فالكثير من شابات اليوم ينقصهم الخبره والنضج فى تعاملهم مع أمور الحياة وأخذ الحياه بجديه وكفاح انني أيقن بأن بداخلهم بذور طيبه لأنهم من أصول مصريه عريقه ولكن لا يضرهم ولا يعيبهم شئ إذا أقتدوا وتعلموا من نماذج يحتذي بهم وربما يسعنا حوار قادم للحديث عن قدوة ونموذج آخر. فالمرأة أصبحت توازي الرجل وتمثل نصف المجتمع ولا ينكر دورهم إلا كل جاحد جاهل لا يدرك قيمتهم الكبري في مجتمعنا