متابعة / محمد مختار من رحم المعاناة يأتي الأمل.. جاء النور يبشر بفرج قريب وإنجلاء ظلام دامس دام لـ28 عاما، هي عمر « عروس سيناء » المثابرة كعادة نساء المحافظة المقاتلات، فلم تمنعها منحة كف البصر عن مواصلة الحياة والاعتماد على نعمة البصيرة، لتكمل الرحلة بشكل طبيعي عن طريق تكوين أسرة وبيت جديد حتى وإن كتب عليها ألا ترى تفاصيله، لذا قررت أن تطل بالأبيض وسط حضور كبار المسئولين ممن تطوعوا لخدمة العروس صاحبة الحكاية، فضلا عن مفاجأة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لها التي اعتبرتها هدية الزواج. الحكاية بدأت ل سيدة ميزار عبد الله، ابنة محافظة الفيوم، التي ولدت بمدينة العريش في شمال سيناء ، حين جاءت إلى الدنيا بمعاناة مع البصر نتيجة انفصال بشبكية العين – بحسب تشخيص الأطباء- ولكنها أصرت على الالتحاق بصفوف المتعلمين في مدارس المكفوفين حيث لا يتوقف الأمل على أعتاب الظلام. واستطاعت الفتاة التي لم تر النور قط، أن تكمل تعليمها حتى حصلت على شهادة البكالوريوس «تربية قسم رياض أطفال»، رغم ظروف قاسية كانت تضطرها للفشل لولا الإرادة التي كانت تتملكها والرغبة في التحدي. ميزار عبد الله، هو والد الفتاة الذي أنجب 9 بنات وولد بينهم 4 من المكفوفين، لم يكن من أصحاب الأملاك ولا يمتلك وظيفة حكومية، وإنما يعمل بمقهى صغير يجلب له ما قد يكفي حاجات أسرته الكبيرة بالكاد. تمر الأيام الصعاب على الرجل الذي تعلق في رقبته 8 فتيات نصفهن من فاقدي البصر، ويقف بالأمس منتصرا على رحلة قاسية امتدت لأكثر من 40 عاما، ممسكا بيد نجلته الكفيفة التي ارتدت ثوبها الأبيض الملائكي، ليعقد قرانها على ابن عمتها المبصر، في فرحة تليق بالأسرة المقاتلة، وسط حضور كبار رجال المحافظة وعلى رأسهم محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء ، الذي قرر أن يكون شاهدا على العقد وواحد من أهل الفتاة. «والدي لم يعد يقوى على العمل بسبب مرضه وتركيب دعامات في القلب، فقط يحصل حالياعلى معاش تأميني ضئيل؛ حيث استأجر قديما محلا ليبتاع فيه بعض المنتجات الورقية وعندما غلبه المرض تسلمت أمي عجلة القيادة للبيت وأصبحت تدور بين فكي رحى ما بين عملها في البيت وخدمتنا التي تحتاج لفريق كامل، وعملها في المحل الذي يعد مصدر دخلنا الأساسي، وإن كلفها ذلك مواصلة الليل بالنهار، فهي تعمل من الساعة السادسة صباحاً وحتي التاسعة ليلاً في المحل، وتدخل البيت بعد ذلك لتبدأ رحلة جديدة من الشقاء ربما تنتهي مع الساعات الأولى من الصباح»، وفق حديث الفتاة عن أبويها. «عروس الأمس»، لم تتحدث كثيرا عن نفسها، فأخذها الحديث نحو الأشقاء وتضيف : «محمد شقيقي الوحيد، 34 عاما، حاصل على الابتدائية، ولديه 5 أبناء، يعمل “أرزقي” بالمقاولات والكهرباء، ويسعى لجلب قوت يومه ويبحث عن فرصة عمل مناسبة، أما عن الشقيقات فتقول: لدي 8 بنات لم يكملن تعليمهن بسبب الظروف المادية، عدا “حبيبة” التي حصلت على بكالوريوس تربية، مثلي». أما هالة، فهي الأخت الأكبر للعائلة، 35 عاما، متزوجة ولديها أطفال، ولكنها كانت الجندي المجهول في الحكاية حين قامت برعاية الأشقاء مساهمة منها في مساعدة الأم التي تكبر عاما بعد عام وتضعف قواها، وتضحى الأخت الأكبر بنصيبها من التعليم لمساعدة شقيقاتها ورعايتهم، وتصر على تعليم أخواتها حتى المرحلة الإعدادية بالتواصل مع المسئولين وإلحاقهم بمدارس المكفوفين، فضلا عن مسئوليتها للبيت مناصفة مع أمها. زاع سيط «عرس سيناء»، وتداولت الأخبار والمواقع الألكترونية حفل الزفاف الذي حضره المحافظ وشهد عليه حتى وصل الأمر للرئيس عبدالفتاح السيسي، ومن هنا كانت المفاجأة. ويأمر الرئيس، بتحقيق حلم الفتاة في الحصول على «شقة»، وتقديم يد العون لها ولأسرتها التي واصلت رحلة من الكفاح دون سؤال الناس أو المتاجرة بأوجاعهم. ووجهت « عروس سيناء »، الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي، على هديته لها، وتحقيق حلمها في توفير مسكن مناسب، كما تدين الفتاة بالفضل للدكتور عبد الكريم الشاعر، وهو دكتور بكلية التربية جامعة العريش وعضو هيئة التدريس بالجامعة، الذي قام بتوصيل صوتها ومساعدتها هي وغيرها من المكفوفين، بتبنيه قضيتهم وتشكيل فريق مجتمعي ومبادرة تطوعية بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية ل ذوي البصيرة وجمعية الأمل الجديدة لرعاية المكفوفين. فلم يكتف الدكتور عبدالكريم، بتبنيه لقصة « سيدة » فقد قام بدعوة محافظ شمال سيناء ، ليشهد على عقد القران، والذي لم يتردد بدوره في استقبال العروسين بديوان المحافظة. دكتور عبد الكريم الشاعر، يقول «نحاول أن نسعد الجميع خاصة ذوي البصيرة بتقديم الرعاية الكاملة لهم بشكل تطوعي؛ لأن المكفوفين بطبيعتهم يحتاجون الكثير من المتطلبات أهمها فكرة الاعتماد على الآخرين، وهو ما دفعني لتكوين فريق من 20 إلى 30 شخصا من المكفوفين، برئاسة خالد شرهان رئيس الفريق، واستطعنا استخراج عدد غير قليل من بينهم من أصحاب المواهب المختلفة». وأشاد عبد الكريم، باهتمام الرئيس السيسي بقضية سيدة ، حيث توجهت لجنة من رئاسة الجمهورية لعمل بحث حالة لأسرة سيدة بتوجيه منه، بعد تداول أخبارها على المواقع، مشيرا إلى أن المحافظة تضم ما يقرب من 500 كفيف آخر وأشار إلى أنه عندما طرح فكرة زواج سيدة ، تسابق أهل الخير في المشاركة لإسعاد الفتاة بكافة السبل؛ حيث قام المأذون بعقد القران دون مقابل، فيما سمح أصحاب قاعة الزفاف بإقامة العرس والمشروبات والمأكولات والاحتفال كاملا بالمجان، وتسابق نحو 10 من الكوافيرات للتبرع بتزيين العروس دون مقابل، كما تم عرض أكثر من 5 سيارات للزفاف في شوارع العريش، في مشهد يليق بالمصريين وكرمهم وأصالتهم. وتختتم « عروس سيناء »، حديثها بدموع تنطق بكل حروف الفرحة والأمل والامتنان، لأبويها أولا ولكل من ساندها وساهم في فرحتها، ليكون الأمس القريب بمثابة ميلاد جديد، لترى حب من حولها وتعاطفهم، كما تكرر الشكر للرئيس السيسي على منحها الشقة وتعتبرها «هدية أب لابنته في زواجها»، ولكنها لازالت تحلم بأن تجد لأختها الأكبر نصيبا من الاهتمام بتوفير مسكن مناسب، نظير ما قدمت من تضحيات لإنقاذ 8 بنات.