شهدت الايام القليلة الماضية وقوع عدد من حالات الانتحار بين الشباب الأمر الذي أفزع المجتمع ككل بوصفها أمر دخيل عليه. و الإنتحار ما هو سوي تعبير عن فشل المجتمع بإدماج الفرد فيه وجعله فاعلا متفاعلا ليكون مثمرا مما يؤدي به الي قطع صلة الوصل تلك و اتخاذ قرار خطير ينهي به حياته غير مهتم بما سيتبع ذلك من آلام واحزان تلحق بعائلته و أصدقائه و المقربين… آلام ليس من السهل إحتمالها أو التعايش معها لأنها تنزل عليهم بصورة مفاجئة تربك وتغير نمط حياة المرتبطين به من الأحياء إلى مالا نهاية!!
هذا عن الإنتحار كظاهرة إجتماعية أما عن الإنتحار السياسي فله أكثر من صورة فهو يحدث عندما تفشل الدولة بإدماج الشريك أو الحليف السياسي فيها حتي توصله إلى الرغبة في الإنفصال غير مهتم بتبعيات ذاك القرار وقد يحدث الإنتحار السياسي عندما يقرر البعض من ذوي السلطة و النفوذ إختيار القفز في غياهب المجهول لأسباب و مبررات يتقنون سردها و يهيئون الأسماع للترويج لها !!. ويحدث أيضا عندما تحاول بعض الحكومات أن تضخ في مسامع البسطاء من الشعب مفردات مثل النزاهة و الشفافية و تكافؤ الفرص و المساواة ولكن الحال يصبح كما يقول المثل العربي القديم (أسمع جعجعة و لا أري طحنا) و عندما يتبع السياسي خطة الكلام و الوعود فقط دون أن ينزلها علي أرض الواقع فهو في الحقيقة ينتحر سياسياً لأنه يفقد مصداقيته وتسقط نزاهته و هيبته وبلغة السياسة يصير ورقة محروقة!!.
وإذا كان الإنتحار (قتل النفس عمدا) يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب و إثم من أعظم الآثام فالإستعانه بالاجنبي بأي صورة من الصور أو تسليمه قضية من قضايا الأمة العربية ليكون فيها قاضياً أو محكما تعد إنتحارا سياسياً بإمتياز لأن فيها قتلا للقضية ورهن لإرادة و مقدرات أمة. فإذا كان قتل النفس لا تتعدي آثاره فاعله و المقربين منه فإن الانتحار السياسي يتعدي مرتكبه ليصيب شعبه أو أمته أو قضيته في مقتل. ولذلك كان الانتحار السياسي أكثر خطورة و أكبر مصيبه من حالات الإنتحار الفردية. و إذا كان الإنتحار يأتي نتيجه إنهيار القدرة علي التعامل مع ضغوط الحياة مثل المشاكل المالية أو إنهيار علاقة ما أو غيرها من الآلام و الأمراض المزمنة مثل الإكتئاب. و الإنطواء و سوء المعاملة فظاهرة الانتحار السياسي تعود الي سياسة التلوث الفكري التي تمت ممارستها علي الأمة العربية الإسلامية منذ عقود من قبل الغرب الذي عمد الي تسميم الأفكار الإسلامية بإحلال ثقافته و أفكاره الهدامة محل الفكر الإسلامي و جعل حضارته و مفاهيمه و تاريخه و بيئته المصدر الأساسي الذي نحشو به ادمغتنا و لم يكتف بذلك بل عمد الي تسميم الأجواء بأفكاره وآرائه السياسية و الفلسفية فأفسد بها وجهة النظر الصحيحة لدينا و جعل شخصيته مركز دائرة الثقافة و الفكر و موضع الاتجاه و البوصلة وقبلة أنظار محترفي السياسة
و لو عدنا إلى التاريخ نقلب بعض صفحاته السوداء لرأينا ماذا فعل بنا الأعداء حين تم الاستعانة بهم إذ تعتبر حادثة (إبن العلقمي) صاحب الجريمة النكراء في موالاة هولاكو علي غزو بغداد مثلا تاريخيا لخطورة سياسة الاستعانة بالاجنبي. و عندما ثار الشريف حسين بن علي علي دولة الخلافة علي امل ان يقيم الإنجليز له دولة عربية موحدة يتوج عليها ملكا فلا ملك صار و لا خلافة بقيت!! كذلك عندما استعانت القوي السياسة في العراق بأمريكا للتخلص من ظلم أصابهم فإذا بهم يقعون ويسقط أهل العراق في مستنقع الإحتلال الذي نهب مقدراتهم و أعاد العراق الي الوراء عشرات السنين. وكذلك ما حدث و يحدث بليبيا. و لننظر جميعا إلى فلسطين وما حل بها و ما وصلت إليه القضية حتي تحولت من قضية عربية إسلامية الي قضية محلية ثم قضية فصائل الي أن وصلت إلي قضية مستوطنات و جدار و حصار و ذلك كله بسبب اللجوء الي الأجنبي و الاستعانه به حتي صارت قراراته الجائرة مطلباً تنادي به الفصائل الفلسطينية التي اختطفت القضية من أصحابها الشرعيين و ادخلتها أروقة الأمم المتحدة و دهاليز مجلس الأمن و خرائط طرق المستعمرين حتي ضاعت القضية فلا دولة فلسطين قامت و لا القضية بقيت !!. وإذا كان الإنتحار في حرمته أمر مخالف للفطرة بسبب غريزة حب البقاء فمجرد التفكير بالاستعانة بالأجنبي في أي بلد عربي إسلامي و في اي قضية مهما صغرت يعتبر جريمة يحرمها الإسلام فضلا عن كونها انتحارا سياسيا فالاجنبي كالأفعي ليس لها صديق.. إنما صديقها فريستها!! قال تعالي :”لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”