منذ بدء جائحة كورونا ..اصبح مصطلح زوم من المصطلحات المتداولة التي تتردد كثيرا على مسامعنا هذه الايام.. يملك اغلب الناس هواتف حديثة، بكاميرات تتمتع بخاصية الزوم، ونسمع كثيرا عندما نحاول التقاط صور لنا، لعائلاتنا، لاصدقائنا في عملنا: اعمل زوم على الصورة، اعمل “زوم إن ، او زوم آوت” من اجل ان تكون الصورة حلوة ، فنحن من نتحكم بالتقنية على حسب مزاجنا، هكذا نتعامل بتقنية الزوم مع كل مناحي الحياة الكبيرة منها والصغيرة ، االشخصية، الاجتماعية، السياسية، التعليمية، الصحية … الخ هنالك تقنية داخلية بداخلنا، تشبه الزوم لتكبير او تصغير الحدث، حسب مصالحنا وحسب رؤيتنا للامور وحسب الوضع العام أينما كان.
تذكرني كلمة زوم ايضا ببرنامج كان يعرض على قناة مصرالاولى (برنامج زوم) كانت تقدمه المذيعة سلمى الشماع من اشهر برامج فترة الثمانينيات والتسعينيات كان يتعرض للاعمال الفنية الجديدة، طبعا لم تكن ثورة الاتصالات الحديثة وبرامج الفضائيات المختلفة قد بدأت بهذا الكم وهذا الزخم، كنا نضطر للسهر والحضور للتعرف على اشهر الافلام والمسلسلات الجديدة حتى لو كانت الصورة غير واضحة، كان لا بد من تطوع احد من افراد الاسرة ليقوم بعملية توجيه اللاقط الذي يتم تركيبه على اسطح المنازل، يعمل باتجاه معين ليستطيع لقط البث بشكل يجعل الصورة واضحة، كان يكون الأمر بالتناوب وخصوصا في فترة الشتاء لان الامر كان صعبا ومتعبا، ما ذكرني ان اسرد هذه الحكاية، ان مصطلح زوم عندي مرتبط ويتبادر الى ذهني سريعا اسم البرنامج ويمر الكثير من حياتنا الماضية ببساطتها كشريط الفيديو السريع امامي، ولأننا حاليا اصبحنا لا نستغني عن تطبيق الزوم في حياتنا اليومية، لانجاز بعض المهام والاعمال، قد نذهب حاليا من نفس البلد، او من خارجه، بواسطة تطبيق زوم لحضور الورشات والندوات، أصبحت حياتنا محصورة ضمن هذه التطبيقات، وحياة أولادنا سواء كانوا طلاب جامعات او مدارس، في بداية الأمر الجميع استصعب الأمر، وذلك لعدم التعود او المعرفة بكيفية التعامل معه، ولكن لاحقا الجميع يتعود لا محالة، بالرغم من فوائد التطبيق الذي عمل على تجميعنا كعرب (وهي كانت من الامور الصعبة الحدوث) من مختلف الاقطار العربية، والمشاركة وتبادل الاراء والخبرات، دونما الحاجة للسفر والتكاليف والحصول على الفيزا، واهدار الوقت في المطارات والمعابر والحدود خصوصا لنا كشعب فلسطيني، ولكن برغم ذلك سرق منا أجمل ما يتمتع به البشر، الدفء وحميمية اللقاء، التعلم غير المباشر من المعارف والاصدقاء، والمشاركين، لغة العيون ولغة الجسد اختفت، حيث وجود الخيارات بعدم ظهور الصورة، والاختفاء خلف الشاشات، نتحدث ولا نعرف بعضنا البعض، وكأننا نتحدث إلى شخصيات مبهمة وغير معروفة، ما فرضته علينا “الكورونا” من امور التباعد الاجتماعي واستخدامنا المفرط للتكنولوجيا ابعد الإنسان عن انسانيته وفطرته التي جُبل عليها فالانسان اجتماعي بطبعه، ولكن ما يمر علينا حاليا يجعل الإنسان وحيدا ويعزز الفردية ويبعده عن الضمير الجمعي الذي يعمل على حماية البشر من كل أساليب الظلم، وعدم العدالة الاجتماعية في جوانب مختلفة من الحياة، وكأنها عملية تدجين اجبارية للبشر ليقبلوا ما يفرض عليهم من امور مستقبلا..!!!
اختفاء أطفالنا خلف الشاشات، بالرغم من ان الاطفال بحاجة للمدارس للتواصل وللتعلم وللابداع والمنافسة، وكذلك الطلاب في الجامعات، أصبحوا مثل الآلات، ذهاب الطالب إلى الجامعة صباحا وحضور المحاضرات في الصرح الجامعي تدخله في نظام يتعود عليه بشكل يومي، يرتب نفسه واولوياته بناء على ذلك، واكيد تخلق منه انسانا مسؤولا في الالتزام والاجتهاد والبحث عن المعلومة، ويشجعه ان يصحو مبكرا للالتحاق ببرنامجه اليومي لحضور المحاضرات، ولقاء الاصدقاء وممارسة الانشطة والبرامج التي يحبها ، ولكن ما أراه واسمعه ان اغلب الطلاب لم تعد لديهم الدافعية لحضور المحاضرات او النهوض من السرير وحتى غسل وجوههم طالما هناك زوم..!!! ولكن كيف يمكننا جعل التعليم عن بعد تفاعليا ومسليا لتحفيز الطلاب على حضوره، التعليم ضرورة قصوى للتطور والبناء والحرية، وهو في لغة الفلسطيني مقاومة للاحتلال، فنحن نقاوم لدحر الجهل وسياسة التجهيل الاحتلالية، ونقاوم بالحصول على العلم والمعرفة، فلا نكون نحن من يهدم العلم..!!!، نتمنى من جميع الجهات المختصة الاهتمام وأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار .
لا بد من تسليط الضوء على الظواهر الايجابية والسلبية في المجتمع، واستخدام تقنية الزوم على نحو متوازن، حتى تكون هذه الظاهرة واضحة للعيان، الظواهر الايجابية نعمل على تعزيزها وتعميمها، والظواهر السلبية نعمل على دحرها والاخطاء على تصحيحها.