متابعة عادل شلبى البلقان هي تلك المنطقة من العالم الواقعة في الجزء الجنوبي من قارة أوروبا، وسميت بهذا الاسم نسبة لسلسلة جبال البلقان الممتدة من بلغاريا إلى صربيا. كانت هذه المنطقة دولة واحدة، تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية، ولكن لوجود كيانات عرقية كثيرة فيها، انقسم كل تكتل عرقي إلى دويلة مستقلة، المعروفين في يومنا هذا باسم بلغاريا وصربيا وكرواتيا وألبانيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وكوسوفو وسلوفينيا، واستحدث، حينها، مصطلح “البلقنة” الذي يعني الانفصال عن الدولة الأم نتيجة للصراعات العرقية. واليوم ونحن نراقب الأحداث في أثيوبيا، لا يسعنا إلا أن نتساءل عما إذا ما كانت على أعتاب “البلقنة”؟ فبسبب كثرة العرقيات والإثنيات الموجودة بأثيوبيا، وصفها المؤرخ الإيطالي “كونتيروس” بأنها متحف الشعوب، حيث تنقسم أثيوبيا، التي يبلغ تعداد سكانها مائة مليون نسمة، إلى 9 أقاليم، في مجموعات عرقيات مختلفة، يبلغ عددها نحو 80 مجموعة عرقية، منها تيجراي وعفرو وأمهرة وأروميا وأوجادين وبني شنقول وجامبيلا وهراري، فضلاً عن 22 لهجة محلية، أشهرها السامية والكوشية والأموثية ولغات النيل والصحراء الكبرى. أما من الناحية الدينية، فهي بلد متعدد الأديان، المسيحية والإسلام واليهودية، وأشهرهم يهود الفلاشا، الذين هاجر الكثير منهم لإسرائيل، ومن ذلك يتضح أن أثيوبيا دولة مهددة بسبب العرقيات المختلفة. وفي الأسابيع الماضية فوجئ العالم بأن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، عام 2019، أصدر أوامره للجيش الإثيوبي بالتقدم لشن عملية عسكرية ضد إقليم تيجراي، أحد الأقاليم التسعة في أثيوبيا، كما أصدر قراراً آخر بإقالة قائد الجيش ووزير الخارجية ومدير الاستخبارات ومندوب أثيوبيا في منظمة الوحدة الأفريقية، نظراً لاعتراضهم على قرار تدخل الجيش ضد إقليم تيجراي. ترجع أسباب ذلك التوتر إلى أن إقليم تيجراي كان يسيطر في عقود سابقة على الأوضاع في أثيوبيا، رغم أنه لا يشكل أكثر من 6% من تعداد سكانها، وبصعود أبي أحمد للسلطة، في 2018، المنتمي لعرقيات الأروميا، التي تمثل 34% من التركيبة السكانية، بدأ في إقصاء كافة المسؤولين من إقليم تيجراي تحت دعاوى تطهير الحكومة الإثيوبية من الفساد. اشتعل الموقف عندما أعلن أبي أحمد تأجيل الانتخابات، المقرر إجرائها في العام الجاري، إلى العام القادم، متعللاً بوباء كورونا، وهو ما أكد البعض أنه نتيجة تخوفه من خسارة الانتخابات، وعليه اعتبر إقليم تيجراي أن أبي أحمد رئيس وزراء غير شرعي، بسبب انتهاء مدة ولايته، وعدم إجراء انتخابات جديدة، فقام حاكم تيجراي بتحدي الحظر المفروض على الانتخابات، وأجرى تصويتاً داخل تيجراي، الأمر الذي اعتبرته الحكومة المركزية، في أديس أبابا، إجراءً غير شرعي، كما أدانه البرلمان الأثيوبي، بل وقام بعزل رئيس الإقليم. ورداً على ذلك قامت قوات تيجراي بالاستيلاء على مجمع القيادات التابع للحكومة المركزية والموجود في تيجراي، ليبدأ، بعدها، الجيش الأثيوبي عملياته العسكرية ضد تيجراي، التي أدت لسقوط المئات من القتلى والجرح، فضلاً عن نزوح آلاف اللاجئين من تيجراي إلى السودان هرباً من أعمال القتال. أعلن أبي أحمد استعداده لوقف إطلاق النار بشرط أن تسلم تيجراي أسلحتها ومعداتها القتالية، فوراً، وهو الأمر الذي رفضته تيجراي، بالطبع، فما كان من أبي أحمد إلا أن قطع شبكة الإنترنت، داخل البلاد، وقام بطرد الإعلاميين، لمنعهم من متابعة الأحداث، قاصراً إصدار البيانات والأخبار على الإعلام الحكومي. ومع تفاقم الأوضاع، يتوقع المحللون أن تمتد النزاعات المسلحة لباقي الأقاليم الأثيوبية للمطالبة باستقلالها، خاصة مع تدهور الأحوال الاقتصادية، وتدني الظروف المعيشية التي يعاني منها سكان الولايات. كان أبي أحمد، فور توليه السلطة، قد أعلن إيقاف القتال مع إريتريا، بعد عشرون عاماً، وبدأ بتوجيه وشحن السكان لبناء سد النهضة، بعدما بالغ في حملته الدعائية، مدعياً أنه بعد عام من ملئ الخزان سيتحقق الخير والرخاء للبلاد، بالقدرة على توليد الكهرباء، إلا أن الشعب الإثيوبي اكتشف كذبه بعدما ثبت أن ارتفاع المياه ليس كافياً لتشغيل التوربينات. ورغم محاولته لتوحيد أمته، باستثارة شعبه ضد مصر والسودان، إلا أن القيادة المصرية فوتت عليه الفرصة بإعلان الاستعداد لمساعدة أثيوبيا اقتصادياً، ودعم استثماراتها، ولم تتفوه، يوماً، باللجوء للحلول العسكرية، بل أكدت على تمسكها بالطرق الدبلوماسية كوسيلة لحل المشكلة، وهو ما لم يلاق أهواء أبي أحمد. ومازال الجميع في حالة ترقب لتطور الأحداث في أثيوبيا، خاصة مع صعوبة القتال في المناطق الجبلية، وطول أمد الصراع السابق مع إريتريا، الذي انتهت عمليات قتاله بلا منتصر أو مهزوم، بعدما أنهكت قوات الطرفين. فإن لم ينجح أبي أحمد في سرعة السيطرة على الأمور، فمن المتوقع أن ينفلت الأمر، بقيام باقي القوميات الموجودة هناك بالتمرد على الحكومة المركزية في أثيوبيا والمطالبة بالاستقلال، لتصبح أثيوبيا البلقان الجديدة في أفريقيا. ويبقى السؤال، هل سيصمد أبي أحمد لحين إجراء الانتخابات في العام القادم، أم سيتغير مجرى الأحداث قبل حلولها، ببلقنة الصراع الحالي في أثيوبيا؟ … على كل حال، نحن في انتظار أن تجيب الفترة القادمة على هذه التساؤلات.