متابعة / محمد مختار تعبر التوترات الأخيرة المتصاعدة بين الحكومة الإثيوبية الاتحادية برئاسة آبى أحمد ، و« الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى »، والتى وصلت إلى إعلان حالة الطوارئ والبدء فى عملية عسكرية للجيش الإثيوبى داخل اقليم التيجراى، بعد قطع كل وسائل الاتصال عنه، عن عمق الأزمة التى تعيشها الدولة الإثيوبية. هذه الأزمة لا تعود فقط للاختلالات التى يعانى منها نظام الفيدرالية الإثيوبية، لكنها تعود أيضا إلى مشاكل تعامل حكومة آبى أحمد ، مع القوميات المكونة للمجتمع الإثيوبى، خاصة قومية التيجراى، التى تمثل 6% من الشعب الإثيوبى. ورغم الإصلاحات التى تبناها آبى أحمد ، وهو أول رئيس من جماعة الأورومو (أكبر جماعة عرقية فى البلاد) يتولى السلطة، فإن الأحداث المتتالية خلال العامين الأخيرين، تشير إلى صعوبات خطيرة تواجه حكومة آبى أحمد فى معالجة اختلالات النظام الفيدرالى، ومطالب القوميات المختلفة، وعدم القدرة على بناء توافق سياسى وطنى، إذ لايزال آبى أحمد يواجه استياء داخل جماعته العرقية الأورومو، والتى تتعرض من حين لآخر لحملات قمعية من الحكومة الاتحادية. كما دعم إقليم الأمهرة محاولة انقلابية فى يوليو 2019. وشهدت البلاد العديد من الصراعات بين الأقاليم المختلفة، مما أدى إلى زيادة عدد النازحين داخليا نتيجة العنف العرقى، فمن إجمالى 1.8 مليون نازح (سبتمبر 2020)، بلغ عدد النازحين لأسباب تتعلق بالصراعات العرقية الداخلية حوالى 1.2 مليون. وجاءت أزمة التيجراى لتضيف بعدا جديدا للتحديات التى لم تتمكن حكومة آبى أحمد من التعامل معها دون التصادم مع إحدى القوميات الرئيسية، واستخدام القوة ضد النخبة الحاكمة فى إقليم التيجراى، بما يحمله هذا الإجراء من سيناريوهات كارثية. كما أنها تكشف بوضوح عن رفض القوميات الإثيوبية سياسات آبى أحمد ، التى تعمل على زيادة سلطة الحكومة الاتحادية وتقليل استقلالية الحكومات الإقليمية. التحرك العسكرى الراهن من جانب الحكومة الاتحادية ضد إقليم التيجراى، يستند إلى عوامل مباشرة، تتعلق بإصرار إقليم التيجراى على إجراء الانتخابات فى شهر سبتمبر الماضى، وهو ما شكل تحديا مباشرا للحكومة الاتحادية، التى كانت قد أصدرت قرارا بتأجيل الانتخابات العامة بسبب وباء كورونا، ودخول قوات الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى ، فى قتال مع قيادة المنطقة الشمالية بالجيش الإثيوبى المتمركزة فى الإقليم، واستيلائها على الأسلحة الموجودة لديها. لكن الأزمة بين الجبهة والائتلاف الحاكم برئاسة آبى أحمد ، تعود إلى الفترة التالية على توليه السلطة وطرحه كزعيم «إصلاحى»، وتحديدا عندما اتهم آبى أحمد المسئولين فى الحكومات السابقة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، ثم إقالته شخصيات بارزة فى الجبهة من الحكومة الاتحادية، مثل رئيس المخابرات السابق والمسئول البارز فى الجبهة «غيتا شيو آسفا»، الذى أفلت من الاعتقال وفر إلى إقليم تيجراى. وتصاعدت الأزمة بين الجانبين عقب قرار آبى أحمد ، دمج الأحزاب العرقية التى شكلت ائتلاف «الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية» (EPRDF) الحاكم، وتأسيس حزب الازدهار (PP) فى الأول من ديسمبر 2019. فقد عارضت « الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى » القرار وأكدت أنه سيقسم البلاد، كما رفضت الانضمام إلى الحزب الجديد.وفى الأول من أكتوبر الماضى، قررت الحكومة الاتحادية قطع العلاقات مع إقليم تيجراى، وصوت مجلس الشيوخ على تعليق التمويل الحكومى الموجه إلى ميزانية الإقليم. التحركات العسكرية ل آبى أحمد ضد إقليم التيجراى تثير مخاوف ضخمة، وتطرح سيناريوهات عدة، تتجاوز الداخل الإثيوبى. السيناريو الأول، هو انزلاق إثيوبيا إلى حرب أهلية، وحدوث انشقاقات داخل الجيش الإثيوبى، ذلك أن اتجاه الجيش إلى القيام بعمليات عسكرية ضد أهداف داخلية يمثل مغامرة عالية المخاطر. بل إن بعض المحللين لم يستبعدوا سيناريو تعرض إثيوبيا لخطر الانهيار والتفكك. وكان ملفتا استخدام الجنرال «بيرهانو جولا»، نائب قائد قوات الدفاع الوطنى الإثيوبية، مفهوم الحرب، فقال فى 12 نوفمبر «دخلت بلادنا فى حرب لم تكن تتوقعها.. هذه الحرب مخزية، لا معنى لها». وأضاف أنه خلال الاشتباكات المبكرة أصيب جنود من الجانبين ويعزز هذا السيناريو أن إقليم التيجراى يمتلك قوة شبه عسكرية كبيرة وميليشيا محلية جيدة التدريب، تضم حوالى 250 ألف مسلح (وفقا لمجموعة الأزمات الدولية). كما يعد الاقليم موطنا لأكبر قاعدة عسكرية فى إثيوبيا. وبحسب بعض التقديرات، تضم القاعدة حوالى نصف قوات الجيش الإثيوبى، إلى جانب ترسانة من المدفعية والأسلحة الثقيلة الأخرى.أضف إلى ذلك طبيعة تكوين الجيش الإثيوبى نفسه، الذى يعكس المكونات الإثنية للمجتمع، ما ينذر بحدوث انشقاقات داخل الجيش، خاصة من جانب المنتمين إلى التيجراى أو القوميات الداعمة لها. السيناريو الثانى، يتعلق بحدوث توترات فى إقليم شرق أفريقيا، ففى حالة اندلاع الحرب الشاملة فى إثيوبيا، لن تسلم الدول الست المحيطة بها من تداعيات هذه الحرب. وقد يؤدى العنف فى تيجراى إلى جذب إريتريا المجاورة، المتحالفة الآن مع الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، ولديها خبرة سيئة مع « الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى »، التى تضم العديد من قدامى المحاربين الذين شاركوا فى الحرب الإثيوبية- الإريترية (1988 ــ 2000)، وهم الآن جزء من القوات شبه العسكرية فى إقليم التيجراى. ويطرح البعض وجود تنسيق مسبق بين الحكومة الإثيوبية وحكومة إريتريا حول الحرب فى تيجراى، بما يحمل عواقب وخيمة فى جميع أنحاء إقليم شرق أفريقيا، خاصة فى حالة بدء موجة لجوء من إقليم التيجراى، وبعض الميليشيات المسلحة إلى هذه ادول. وقد بدأت أولى هذه التدفقات بالفعل فى اتجاه السودان. السيناريو الثالث، هو تراجع الدعم الخارجى لحكومة آبى أحمد . فقد تبع التطورات الأخيرة تصاعد القلق الدولى والإقليمى بشأن الاستقرار فى إثيوبيا، خاصة بعد تجاهل الحكومة الاتحادية للمناشدات الدولية بعدم اللجوء إلى استخدام القوة فى إدارة الأزمة، حيث دعت الأمم المتحدة إلى وقف فورى للتصعيد، كما قدمت السفارة الأمريكية فى إثيوبيا نداءً مماثلاً. وكان الرئيس آبى أحمد قد حظى بدعم دولى واسع على خلفية تبنيه مجموعة من الإصلاحات الداخلية، ومحاولته تسوية الخلافات الخارجية والتوسط فى عدد من الأزمات الإقليمية، بدءا من توقيع اتفاق سلام مع إريتريا، والتوسط فى الصراعات بالسودان وجنوب السودان وجيبوتى وكينيا والصومال. السيناريو الرابع، هو اضطرار آبى أحمد إلى الاستقالة كمخرج من الأزمة الراهنة. رغم ندرة المعلومات المتعلقة بالتطورات العسكرية داخل إقليم التيجراى (نظرا لقطع الحكومة وسائل الاتصال)، وتأكيد آبى أحمد أن العملية العسكرية فى الإقليم «محدودة»، لكن استخدام القوة فى مواجهة جماعة عرقية رئيسية فى البلاد لن يمر دون التأثير على شعبيته، حيث تتوقع القوميات الأخرى أن تلقى مصير قومية التيجراى