بقلم د/ناجح إبراهيم • وقع الرئيس الفرنسي ماكرون في ثلاثة أخطاء,أولها حينما ذكر أن الإسلام يمر بأزمة,رغم الفرق بين الإسلام والمسلمين المتطرفين فقد قفز عامداً من نقد المسلمين المشروع إلي نقد الإسلام المعصوم,مغازلة لليمين المتطرف وكسباً رخيصاً لأصواتهم. • أما الخطأ الثاني فهو اعتباره الرسوم المسيئة للرسول من ثوابت الدولة الفرنسية وأنه لن يتخلي عنها,ولا أدري من أين جاء بهذا الخلط المعيب بين حرية التعبير والإساءة للرسل,مع أن المحكمة الأوربية العليا قضت في حكم لها بأن الإساءة للرسل لا تدخل تحت بند حرية التعبير,وهذه من البديهيات قبل صدور الحكم. • والتشدق بحرية التعبير الذي يدعيه ماكرون أكذوبة كبري فقد سجن المفكر والدبلوماسي الفرنسي جارودي من أجل رأيه في عدد اليهود الذين ألقاهم هتلر في المحرقة,مع أنها تقبل الأخذ والرد,ولكن القانون الفرنسي جعلها من المقدسات. • أما الثالث فهو إصرار ماكرون علي نسبة الإرهاب للمسلمين ناسياً أن الإرهاب حدث من كل الملل والأديان,ناسياً حروب الكاثوليك والبروتسانت التي استمرت 40 عاماً في أوربا ومذبحة مسجد نيوزلندا التي لم تمت ذكراها. • وناسياً التاريخ الأسود للاستعمار الفرنسي الذي قتل وذبح في الجزائر وحدها قرابة المليون ونهب ثروات أفريقيا وأجبر سكانها علي هجر لغتهم وثقافتهم. • كلنا يدرك الفرق بين الاستعمار الإنجليزي والفرنسي فقد كان الأول أكثر حكمة وتعقلاً وتركيزاً علي مصالحه الإستراتيجية والعسكرية دون محاولة طمس هوية وثقافة ولغة الدول التي تحتلها. • هناك خطوط حمراء فرنسية كثيرة يعرفها كل من عاش في فرنسا,فلماذا الأنبياء والرسل تستباح كرامتهم وهيبتهم ثم تصبح الاستباحة ثابتاً. • نعرف أن العدل من ثوابت الحكم,ولم نعرف يوماً أن الفحش والتبذل من صحيفة مغمورة عاشت وتعيش علي سب الأنبياء,أصبحت في عرف ماكرون من الثوابت,والغريب أنه لم يقل بذلك أي رئيس فرنسي أو أوروبي. • وكان ينبغي علي ماكرون أن يتأمل ذكاء نابليون في خطابه حينما جاء إلي مصر وتودده إلي الإسلام والمسلمين وحتى كلامه الرائع عن النبي”محمد”في مذاكرته ليتعلم كيف يخاطب”الآخر”. • أما الخطأ الرابع فهو قوله”أن العلماني سلمي ولا يقتل أحداً”فماذا عن تصنيف الجيش الفرنسي الذي ذبح مليون جزائري دون جريرة,فضلاً عن عشرات المذابح في البلاد الأخرى,ولولا نهاية الإمبراطورية الفرنسية عقب الحرب العالمية الثانية ووجود رجل حكيم مثل ديجول ذاق مرارة الاستعمار الألماني ما خرجت فرنسا من الجزائر,ومستعمراتها الأخرى. • وما هو تصنيف الجيش الأمريكي الذي أباد في عدة دقائق قرابة مائتي ألف ياباني مدني في هيروشيما ونجازاكي. • وما تصنيف الجيش الأمريكي الذي قتل مليون فتنامي,ومليون عراقي وأفغاني في غزو البلدين,أليست هذه جيوش علمانية,أو ليست هذه الجيوش العلمانية هي التي تسببت في قتل 60 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية. • لقد هزم ماكرون,لأنه أدار معركة خاسرة وانتصر عليه الأزهر بوسطيته واعتداله وتعقله,وقد لعبت المقاطعة المحدودة للبضائع الفرنسية دوراً مهماً في عودة ماكرون وحكومته إلي الصواب. • انتصر الأزهر وشيخه للرسول”ص”وشن حملة قوية علي ماكرون دون تسميته,وفي الوقت نفسه رفض طريق العنف والقتل والذبح الذي انتهجه الشاب الشيشاني وأشباهه,لأنه يمثل إساءة أخرى للنبي”ص”وخسرانا للقضية العادلة. • رسول العفو والصفح والرحمة”واذهبوا فأنتم الطلقاء”يأبي أن يدافع عنه أتباعه بالذبح والدماء. • لقد كان الموقف المصري الجيد والمتوازن والذي وضح في كلمات الرئيس السيسي وشيخ الأزهر في الاحتفال بالمولد النبوي أفضل وأحكم الردود علي فرنسا,ولذا بدأ ماكرون وحكومته في التراجع,وبدأ التراجع من بلاد العرب ومن الأزهر. • وجاء وزير خارجية فرنسا ليلقنه شيخ الأزهر درساً عظيماً آخر ويثبت قوة هذا الشيخ الزاهد الذي لا تشغله إلا جوائز السماء فقد قال للوزير الفرنسي”إذا كنتم تعتبرون أن الإساءة لنبينا محمد”ص”حرية تعبير فنحن نرفضها شكلاً وموضوعاً وسوف نتتبع من يسيئ لنبينا الأكرم في المحاكم الدولية حتى لو قضينا عمرنا كله نفعل ذلك”. • ولقنه ورئيسه درساً آخر بقوله”وحديثي بعيد عن الدبلوماسية حينما يأتي الحديث عن الإسلام ونبيه,وأوربا مدينة لنبينا محمد ولديننا لما أدخله هذا الدين من نور للبشرية جميعاً”. • قال الشيخ للوزير”نحن نرفض وصف”الإرهاب الإسلامي”وعلي الجميع وقف هذا المصطلح فوراً لأنه يجرح مشاعر المسلمين,وينافي الحقيقة التي يعلمها الجميع”والمسلمون جميعاً يرفضون الإرهاب الذي يتستر باسم الدين ويؤكدون علي براءة الإسلام ونبيه منه”. • ثم أنهي له هذا الدرس البليغ بقوله”الإرهابيين لا يمثلوننا ولا نقول ذلك اعتذاراً,فالإسلام لا يحتاج إلي اعتذارات,وكان الوزير الفرنسي أكثر حكمة وتعقلاً من رئيسه طوال الأزمة وقد مدحه الشيخ علي ذلك.