تعددت سفرياتي شرقاً وغرباً؛ سواء إلى الصين واليابان وتايوان، أو إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وهي الرحلات التي يستغرق كل منها ما لا يقل عن 16 ساعة متواصلة، كنت أطبق خلالهم نصيحة أسداها لي صديقي العزيز الدكتور محمود محيي الدين، منذ عدة سنوات، بالاستفادة من تلك الساعات على الطائرة، في قراءة بعض الكتب، بل ودلني على أبسط طرق حملها، بالدخول على موقع مكتبة الكونجرس الأمريكي، وتصفح مجموعات الكتب عليه، لانتقاء ما يناسبني منها، وتحميلها على فلاشة، مقابل 5 دولارات للكتاب، وفور صعودي للطائرة، أضع تلك الفلاشة في الشاشة المثبتة أمامي، فتهون علي ساعات السفر الطويلة، ويضاف لها متعة خاصة.
كان مقابل تحميل الكتب من على مكتبة الكونجرس، يتراوح بين الدولارات الخمس حتى 20 دولار، وهو آخر مبلغ دفعته لتحميل كتاب هيلاري كلينتون “الخيارات الصعبة” أو “Hard Choices” والذي لم يكن قد مر على إصداره، حينها، إلا أسبوع واحد، فصارت مكتبة الكونجرس، بالنسبة لي، وسيلة، أيضاً، للحصول على الكتب الجديدة، الصادرة خارج مصر، ويستغرق وصولها لمصر فترات طويلة نسبياً.
وخلال الأسبوع الجاري وجدت أن مصر بدأت بتقديم خدمة مماثلة لشعبها وشبابها، من خلال موقع وزارة الثقافة المصرية، حيث قررت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة النشيطة، التي تستهدف، دائماً، التطوير والخروج عن القوالب النمطية، بأن تتيح كافة إصدارات وزارة الثقافة على موقعها الإلكتروني، متمثلاً في إصدارات مختلف الهيئات، التابعة للوزارة، بداية من الهيئة العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج، صاحبة الإصدارات الغزيرة والمتميزة، والتي أتعمد أن أقتنيها جميعاً وأضمها لمكتبتي الخاصة، إضافة إلى إصدارات هيئة قصور الثقافة، متعددة المجالات، التي تتناول الحياة الثقافية في كل مدن مصر وقراها، ونجوعها، فضلاً عن إصدارات دار الكتب، والمجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومي للترجمة المعني بتقديم شتى الأعمال العالمية، بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، والذي تعتبر إصداراته ثروة قومية، لا يعلم الكثير من المصريين عنها، للأسف، رغم مواكبته لأحدث الإصدارات العالمية، فأذكر، مثلاً، أنني وجدت، ضمن إصدارات المركز، ترجمة لرواية “القلعة البيضاء”، للكاتب التركي أورهان باموق، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب، فور صدورها.
أما اليوم، فكل إصدارات هذه الهيئات متاحة، الآن، على الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة، لتلبي مطالب المصريين في كافة مجالات الثقافة، والفنون، والإعلام، والموسوعات العلمية، وحتى موضوعات الأمن القومي، والاستراتيجية، وزادت سعادتي بوجود كتب للأطفال، كما شملت صفحة وزارة الثقافة جميع الأعمال الفنية التي تقدمها دار الأوبرا المصرية من حفلاتها، وعروض المسرح القومي وباقي مسارح الدولة. أما أهم ما في ذلك، فتمثل في إتاحة كل هذه الإصدارات، بالمجان، لكي لا تقتصر الاستفادة بها على فئة معينة من المصريين، دون غيرهم.
لقد أسعدني بشدة أن أشهد هذا التطور الذي يحدث في وزارة الثقافة، بتعظيم الاستفادة من تكنولوجيا العصر، والطفرة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، للوصول بكل الإنتاج الفني والثقافي، إلى المواطن المصري، وخاصة الطفل، وهو جالس في منزله بدون أي مقابل. ومن هذا المنطلق، أقترح تخصيص أحد قنوات ماسبيرو، العديدة، إلى وزارة الثقافة، لعرض إنتاجها الثقافي عليه، أسوة بقناة ماسبيرو زمان، التي انطلقت مؤخراً، لعرض تراث ماسبيرو منذ تأسيسه في عام 1960، ذلك التراث الذي تفتقده الأجيال القديمة، ولم يسع الحظ الأجيال الجديدة للاطلاع عليه.
كما أتعشم أن أرى، قريباً، باقي وزارات مصر، تحذو حذو وزارة الثقافة بتقديم خدماتها للمواطن بنفس الأسلوب، كل فيما يخصه، فمثلاً نجحت وزارة التربية والتعليم في تقديم كافة مناهجها الدراسية، لمختلف المراحل التعليمية، على القنوات التليفزيونية المتخصصة، واستفادت وزارة الشباب والرياضة بالتكنولوجيا، كسمة العصر، أثناء احتفالات نصر أكتوبر العظيم، عندما دعاني الوزير الدكتور أشرف صبحي لإلقاء محاضرة عن نصر أكتوبر، بحضور سيادته، في أحد مراكز الشباب، وتم بث المحاضرة، على الهواء مباشرة، لباقي مراكز الشباب والرياضة في كل محافظات مصر. لقد كانت المؤسسات الصحفية، في كل بلاد العالم، من أوائل الجهات التي استفادت من التكنولوجيا الحديثة، بالتحول الرقمي في إصداراتها، بعد ملاحظة تراجع نسب بيع الصحف المطبوعة، فصرت اليوم، تطالع العدد الجديد، من جريدتك اليومية، في صورته الإلكترونية، اعتباراً من الساعة الحادية عشرة مساءً، قبل إصداره الورقي في صباح اليوم التالي.
قد تكون التكنولوجيا الحديثة سلاحاً ذو حدين، إلا إذا ما أحسن استغلالها، والاستفادة من خصائصها، بما يتناسب مع وتيرة العصر، ومتطلبات الأجيال الجديدة، فإن كان الشباب والأطفال يعتمدون اعتماداً كلياً، أو شبه كلياً، على هواتفهم المحمولة، والتطبيقات الرقمية المتعددة، فليكن ذلك مدخلنا إليهم، بتقديم تراثنا وإنتاجنا من خلال المواقع الإلكترونية، والمنصات الرقمية، بطريقة مبتكرة، تناسب العصر، وتجذب انتباههم، في ظل عالم متسارع الخطى، يقفز بوثبات طويلة نحو الفضاء الرقمي. ومن هنا أكرر أنه يجب على جميع الوزارات والمؤسسات البدء في تقديم إنتاجها باستخدام التكنولوجيا الحديثة … بالبلدي كده نقدم هذه المواد دليفري للمواطن أينما كان.