بدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وانتهت عام 1945 بين قوتين هما، الحلفاء ونعني بهم دول أوروبا وفرنسا وإنجلترا ودول الكومنولث وغيرهم، والطرف الثاني هم دول المحور، ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وأدت هذه الحرب إلى وقوع ما بين 50 إلى 85 مليون قتيل، فكانت تلك الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية. وفي ديسمبر 1941 قامت اليابان بالهجوم على الأسطول الأمريكي، بميناء “بيرل هاربر”، دون سابق إنذار، لتحدث به أضراراً بالغة، إذ تم إغراق أربع بوارج حربية، وإصابة أربع بوارج أخرى، بالإضافة لتدمير 188 طائرة حربية، ومقتل 2402 شخص، وجرح 1282، وقُدرت خسائر اليابان بعدد 29 طائرة مقاتلة، وأربع غواصات، وقتل وإصابة 65 جندي.
ومقابل عِظم حجم الخسائر العسكرية الأمريكية، في تلك المعركة، كان انتقامها الأكثر بشاعةً في نهاية الحرب، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف ذري على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، في أغسطس 1945، وكانت تلك الهجمات الذرية الوحيدة في تاريخ الحرب، فأودت، هذه القنابل، بحياة 140 ألف شخص في هيروشيما، و80 ألف، غيرهم، في ناجازاكي، فضلاً عما خلفته من آثار حروق وصدمات وإشعاعات نووية، وتسمم إشعاعي، امتد أثره لعقود بعدها، وكان سبباً في وفاة أعداد هائلة من اليابانيين، فيما بعد، بأمراض السرطان. وبعد ستة أيام من تفجير القنبلة النووية، أعلنت اليابان استسلامها للحلفاء، ووقعت وثيقة الاستسلام في 2 سبتمبر، من نفس العام.
بعدها اجتمع البرلمان الياباني، وقرر أن معارك هذه الحرب كلفت اليابان الكثير من الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية، فضلاً عن الآثار النووية الممتدة، على الأجيال القادمة، وعليه قرر البرلمان الياباني، عدم دخول بلاده، أو مشاركتها، في أية حروب قادمة، وأنها ستكتفي بمعاهدة السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تصبح الولايات المتحدة، بمقتضاها، مسئولة عن أمن اليابان، فأتاحت قاعدة أوكيناوا، لتكون أكبر قاعدة عسكرية تتواجد بها القوات الأمريكية، لتأمين اليابان مستقبلاً. وقرر البرلمان حل الجيش الياباني، والاكتفاء بعناصر رمزية، لحراسة الحدود، والسواحل البحرية، تاركين عبء الدفاع عن اليابان، وتأمينها، للولايات المتحدة الأمريكية، أمام خطر العدو التقليدي لليابان، المتمثل، حينها، في الصين والاتحاد السوفييتي.
وبنظرة تحليلية، لقرار الإدارة اليابانية، نجده يخالف كل مفاهيم علوم الاستراتيجية والأمن القومي، التي تؤكد حتمية أن يكون لكل دولة قوتها العسكرية الوطنية، المسئولة عن حماية أراضيها، وأمنها القومي، ومقدرات شعبها؛ فالدولة صاحبة الثروات الطبيعية، كالفحم والبترول والغاز الطبيعي واليورانيوم، وغيرهم، لابد وأن يكون لها جيش يحميها، والدولة التي تتمتع بقوة اقتصادية، يجب أن يكون لها قوة عسكرية تحمي هذا الاقتصاد، والدولة التي تتمتع بموقع جيوستراتيجي، يتيح لها التحكم في ممرات دولية، أو يؤهلها لتكون مركز نقل جغرافي في إقليم أو منطقة، يجب أن يكون لها جيش قوي يحميها.
وفوجئت اليابان باحتلال الاتحاد السوفييتي لجزء من أراضيها، وهي جزر الكوريل شمال اليابان، أمام صمت أمريكي، وتلاها الصين التي منعت اليابان من الصيد في بحر الصين، تحت دواعي تاريخية، ومرة أخرى لم تتدخل الولايات المتحدة، فتأكدت اليابان من خطأ قرار برلمانها بحل الجيش، وتوكيل دولة أخرى، مهما كان حجم قوتها، من في الدفاع عنها، وحماية أراضيها وشعبها واقتصادها. فسارع البرلمان الياباني لتدارك الخطأ، بإقرار بدء اليابان في بناء جيش وطني قوي، يعتمد على أحدث النظم التكنولوجية، استناداً على الطفرات التي حققتها اليابان في ذلك المجال، والارتكاز عليها في تطوير صناعاتها الحربية، والجيش الياباني الجديد. وبدأت اليابان في بناء جيشها الوطني الجديد، ليصل ترتيبه إلى المركز العاشر، في عام 2014، في قائمة أقوى الجيوش على مستوى العالم، وتابع تطوره، وتقدمه بوتيرة سريعة، ليصل إلى المركز الخامس عالمياً، عام 2020، متقدماً على فرنسا وإنجلترا، وتالياً للولايات المتحدة وروسيا والصين والهند
وهكذا أصبح الدرس الياباني يدرس، الآن، في كل معاهد وأكاديميات العلوم العسكرية، لإثبات أن، فقط، من يملك قوته العسكرية، يمكنه حماية أمن بلاده، وقوتها الاقتصادية، سواء كانت ثروات طبيعية أو صناعية، ولعل أبسط مثال في منطقتنا، في شرق المتوسط، هو استيلاء إسرائيل على بلوك رقم 9، داخل المياه الاقتصادية اللبنانية، وتقوم، حالياً، باستغلال إنتاج هذا الحقل من الغاز الطبيعي، بل وتصدير بعض إنتاجه، منتهزه ضعف القدرات القتالية للجيش اللبناني. وفي المقابل، نرى مثل عظيم، وهو ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي، فور توليه مقاليد حكم البلاد، في عام 2014، وكانت مصر تحتل المركز رقم 13 في التصنيف العالمي للقوى العسكرية، فقرر، على الفور، زيادة القدرة القتالية للقوات المسلحة المصرية، ورفع كفاءتها، وتنويع مصادر السلاح، فحصلت القوات المصرية على حاملات المروحيات المسيترال وطائرات الرافال المقاتلة من فرنسا، والطائرات ميج 29 من روسيا، وأحدث غواصات في الترسانة العالمية من ألمانيا، حتى تقدم ترتيب القوات المسلحة المصرية، حالياً، للمركز التاسع عالمياً، لتستمر في أداء دورها، بكفاءة، في حماية أمن مصر القومي، على الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة، وتأمين استثماراتها من حقول الغاز الطبيعي والبترول في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتأمين المجري الملاحي لقناة السويس. لتكون أوفى إجابة على بعض التساؤلات المثارة عن أسباب شراء مصر لهذا السلاح، بأنه استفادة من الدرس الياباني، لأنه بوجود قوات مسلحة قوية، نضمن تحقيق السلام والأمن والأمان لمصرنا الحبيبة