“حفيد شيخ العرب همام، شيخ الإذاعيين، الخال، زملكاوي من قمة الرأس إلى أخمص القدم، المذيع الصعيدي، شيخ الإعلاميين الرياضيين والخال” هكذا يعرفه عشاقه ومحبيه وتلاميذه على مر أكثر 6 عقود، هي عمره بالإذاعة المصرية، إنه المذيع القدير فهمي عمر، أول وأشهر صعيدي عرفه ميكروفون الإذاعة.
ويرصد “الرسالة” في السطور المقبلة، نبذة عن حياة ومسيرة الإذاعي فهمي عمر، بعد هجوم رئيس الزمالك عليه أول أمس، وبيان قبلتي “هوارة والهمايمة” للرد على هجوم رئيس النادي، والذي حمل عنوان “كلنا فهمي بك عمر”.
ولد فهمي عمر، في محافظة قنا بقرية الرئيسية مركز نجع حمادي في 6 من مارس عام 1928، تحمل أعباء الدراسة في السنوات الأولى من عمره، حيث لم تكن بقريته مدرسة ابتدائية، إذ كانت المدرسة بمدينة دشنا يعبر النيل بمركب نيلية تدار بالبخار تسمى بـ”الرفاص” قاطعا مسافة 20 كيلومتر للوصول إلى المدرسة.
حصل “عمر” على شهادته الابتدائية “بالنظام القديم” عام 1940، ليبدأ رحل شقاء أخرى طوال دراسته الثانوية، حيث كان يستقل القطار للذهاب إلى مدرسته بمحافظة قنا، سعيًا وراء حلمه بالالتحاق بكلية الطب أو المعهد العالي للكيمياء الصناعية.
خاب ظنه ولم يلتحق بكلية الطب، والتحق بكلية الحقوق في محافظة الإسكندرية، التي تخرج فيها وحصل على الليسانس عام 1949، متنازلًا عن حلمه بسبب رغبة أسرته في التحاقه بعد ذلك بسلك النيابة العامة ومنها يترقى ليصبح قاضيًا، بالفعل بعد حاول بعدها الالتحاق بسلك النيابة العامة، لكن الحظ لم يحالفه وقتها.
ويقول فهمي عمر عن تلك الفترة التي قضاها في الإسكندرية: “إذا كانت دار السينما في مدينة قنا قد خلبت عقلي، فإن مدينة الإسكندرية جعلتني في حالة انعدام الوزن، فقد جئتها من مجتمع مغلق لا تخرج فيه المرأة إلى الشارع إلا ملتحفة ببردتها السوداء، ولا يظهر من ملامحها شيء حتى عيونها تغطيها البردة، إلى مجتمع مفتوح حيث المرأة تعوم في بحر المدينة بالبكيني”.
ويبوح فهمي عمر، خلال إحد اللقاءات الإذاعية له، عن عشقه للكرة ورحلته معها حين ذكر أنه خلال فترة دراسته الجامعية، قائلًا: “نظم فريق الاتحاد وجامعة الإسكندرية رحلة إلى القاهرة بقيمة خمسون قرشًا تشمل تذكرة السفر بالقطار والعودة ودخول المباراة التي جمعت “الاتحاد وفاروق ـ الزمالك حاليًا ـ على كأس الملك فاروق عام1948، التي فاز بها الاتحاد بنتيجة 2/1 وكان الزمالك يضم يحيي إمام وعبدالكريم صقر والجندي وحنفي بسطان وغيرهم، أما الاتحاد فقدم للكرة المصرية لاعبًا رائعًا بزع نجمه يومها هو “الديبة” الذي أحرز هدف الفوز وكان عمره 19 عامًا فقط وعدنا إلى الإسكندرية واحتفلنا بالفوز وسهرنا حتى الصباح”.
كان للقدر لعبته لتغيير مجرى حياة فهمي عمر، بعد تخرج بعام واحد، حيث لم يلتحق بسلك النيابة العامة، فتقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، والتحق بوظيفة مذيع خارج الميكرفون عام 1950، وبسؤال قادته في مبنى الإذاعة عن سبب التحاقه بهذه الوظيفة، أكدوا له أن لهجته الصعيدية السبب وعليه التخلص منها سريعًا.
لم تكن تلك الوظيفة بالصعبة عليه، وهو المفوه حديثا، المتمكن من قواعد اللغة العربية، ومخارج ألفاظه سليمة وحنجرته قوية وكلها مواصفات المذيع الناجح، وأتاحت له تلك المهمة التي استمرت 15 شهرًا، فرصة للتعرف على كبار المثقفين وقادة الرأي وقتها، فكان يلتقي بالمتحدثين من كبار الكتَّاب والمفكرين قبل دخول الاستديو، فتعرف على عباس محمود العقاد، سليمان نجيب، محمد فريد أبو حديد، فكري أباظة، زوزو نبيل، سميحة أيوب، شهرزاد، لورد كاش، وغيرهم.
في عام 1951، خرج الصوت الإذاعي للنور وهو يردد عبارته الشهيرة “هنا القاهرة” التي تعيش في الوجدان حتى يومنًا هذا، ظل فهمي عمر يعمل بالإذاعة ويتعلم الفنون الإذاعية على مر سنينه حتى تمكن من جميع الفنون الإذاعية وأصبح يجري عمله على نسق من الدقة وحسن الأداء، فحقق بنجاحه ودقته الكثير من الشهرة ما جعلته يطوف أغلب بلدان العالم.
ويتذكر فهمي عمر شيخ الإذاعيين، الأيام الجميلة التي شهدت بداية عمله في الإذاعة المصرية، قائلًا: “لم يكن مسموحًا لمذيع أن يخطئ ومن يخطئ يرفع من جدول المذيعين أسبوعًا أو اثنين ليتدرب على أصول اللغة، ولكن لم يكن مسموحًا أن تدخل الاستوديو بالقميص والبنطلون فقط بل لا بد من ارتداء الزي الكامل وتربط الكرافتة وتضع الطربوش على رأسك، وكان أستاذنا حافظ عبدالوهاب يقول لنا: إن المستمع أذكى من المذيع، فلا تجعل المستمع يحس أنك لم تحلق ذقنك أو تهذب شعر رأسك ولا تجعله يحس أن حذاءك غير لامع، وقلنا له كيف هذا يا أستاذ؟ فقال إذا لم تؤد عملك بنشاط وحيوية، وإذا لم تكن قد راجعت نشرة الأخبار مثني وثلاث، وضبطت وقفاتك وأحسنت تشكيل الكلمات، فأنت مذيع مبهدل في ملبسك ولست على سنجة عشرة كما يقول”.
وكان فهمي عمر، أول إعلامي يلتقي بثورة يوليو 1952، ففي صباح الـ23 من يوليو في عام الثورة بقيادة الضباط الأحرار، فتح فهمي عمر، ميكرفون الإذاعة للرئيس الراحل محمد أنور السادات، ليلقي بيان الثورة الأول.
منذ ذلك الحين تعرف على الرئيس السادات، الذي كان يقرن اسمه أو يسبقه بلقب المذيع الصعيدي، وهذا اللقب التصق بفهمي عمر، حتى صار جزءا منه بعدما كتب عنه جليل البنداري في مجلة “آخر ساعة” وتعرفت إليه أم كلثوم مصادفة في الاستوديو وقدمه لها ابن اختها محمود دسوقي قائلًا: “المذيع الصعيدي فردت بخفة دم يعني اللي يسلم عليه يقوله صعيده”.
ويشهد تاريخ الإذاعة المصرية العديد من البرامج لشيخ الإذاعيين، فهمي عمر، ومنهم “ساعة لقلبك” الذي كان له فضل تألق مشاهير نجوم الكوميديا في مصر.
لم يكتف الإذاعي بكل هذا النجاح والتألق، فدخل ميدانًا جديدًا لم تعرفه الإذاعة المصرية من قبل عام 1954، وهو البرامج الرياضية، ولم تغلب “زملكاويته” فنجح في كسب قلوب عشاق الكرة بميكرفونه الإذاعي وصوته وتعليقاته المميزه وتحليلاته للمباريات بكل حيادية، حتى لقب بـ”شيخ الإعلاميين الرياضيين” فهو مؤسس وصاحب أول تعليق وتحليل لمباريات الدوري المصري والمؤسس الحقيقي لإذاعة الشباب والرياضة.
خلال مشواره ومسيرته الإذاعية قام بتغطية كبرى الأحداث الرياضية ومنها: “دورة ألعاب البحر المتوسط التي نظمتها برشلونة عام 1955، وكذلك تغطية 6 دورات أوليمبية من روما عام 1960 إلى لوس انجلوس عام 1984”.
عين في 1982 رئيسًا للإذاعة المصرية، ليصبح اسمه الأبرز في تاريخ الإذاعة المصرية طيلة عمله الإذاعى الذي امتد قرابة الخمسين عامًا، قدم فيها الكثير من الإنجازات كإذاعي وكخبير في تطوير المنظومة الإعلامية بمبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون.
ترشح الإذاعي القدير، لعضوية مجلس الشعب في 1987، قبل عام واحد من بلوغه سن المعاش، وظل نائبًا بالبرلمان منذ الدورة الأولى لترشحه التي نجح فيها باكتساح، حتى 2002.
وفي 5 مارس 1988، بلغ سن المعاش وودع مبنى الإذاعة والتليفزيون بعد 37 عامًا من العمل به تدرج خلالها في المناصب وترك بصمة لا تنسى في ذلك المبنى.
في عام 1995 راح ابنه الشهيد المهندس “عمر” ضحية الغدر والخسة في جريمة عبثية ارتكبتها يد الجهل والدناءة.
ارتبط اسمه بنادي الزمالك، إبان رئاسة حسن عامر للنادي، واستمراره حتى أصبح وكيل شرفيًا للنادي.
وأخيرًا جاءت لغة، فهمي عمر، رشيقة وصافية، تصل إلى القلوب والعقول من أيسر سبيل، فجمع بين بلاغة الفصحى وروح العامية الذكية أحيانًا، فتتغنى بهذه العبارات الجميلة التي هي روح صاحبها وأسلوبه في الحياة قبل أن تكون أسلوبه في الكتابة.
وكان رئيس نادي الزمالك، قال في فيديو مصور عبر قناته بموقع “يوتيوب”، أمس: “رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مكرم محمد أحمد، لديه لجنة اسمها الأداء الإعلامي، مسؤول عنه شاب (جميل وجديد) اسمه فهمي عمر يبلغ من العمر 92 عامًا، ومكرم محمد أحمد عمره 105 أعوام، مجموع عمريهما خُمس عمر سيدنا نوح تقريبًا”، على حد تعبيره.
وردت قبيلتي “هوارة والهمايمة” على تصريحات رئيس النادي، ببيان ناري حمل عنوان “كلنا فهمي بك عمر.. حفيد شيخ العرب همام” التي توعدت فيه رئيس الزمالك.
وشيخ العرب همام، هو الأمير همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن أبو صبيح سيبة، ويمتد سلسال القبيلة إلى الحسين بن على، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد في 1709، وتوفي في 7 ديسمبر 1769، وهو أكبر الأبناء الذكور للشيخ يوسف، زعيم قبائل الهوارة التي هاجرت إلى مصر من المغرب، في عهد الدولة الفاطمية، واستقرت في صعيد مصر، وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ، وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور فى الصعيد حتى عام 1575.