أثار مقالي، في الأسبوع الماضي، في نفس هذا المكان، عن البحيرات، العديد من التساؤلات بين القراء في مصر، وخاصة على صفحات التواصل الاجتماعي، فانزعجت لاكتشاف أن نسبة كبيرة من المصريين لا يعلمون، للأسف، شيء عن هذا المشروع القومي الكبير، المتمثل في واحد من أهم قرارات السيد رئيس الجمهورية بإعادة 11 بحيرة مصرية إلى سابق عهدها؛ بتنقية وتطهير مياهها، والقضاء على أي تعديات عليها، بغرض توفير المناخ المناسب لزيادة المخزون السمكي، من ناحية، وتهيئتها لتكون ملاذاً وملجأً للطيور المهاجرة من أوروبا، من ناحية أخرى. هذه البحيرات هي البردويل، وإدكو، والبرلس، والمنزلة، والملاحة، وقارون، ووداي الريان، وسيوة، والبحيرات المرة، وبحيرة التمساح، وبحيرة ناصر … فهل يعلم العامة أننا نمتلك هذه الثروة الهائلة من البحيرات على أرض مصر، التي توفر لنا هذا المخزون الغذائي الهائل من الأسماك، أو الطيور المهاجرة من برد الشتاء القارس.
فلو تناولنا، بحيرة البردويل، على سبيل المثال، الواقعة في سيناء، على البحر الأبيض المتوسط، أغنى بحيرات العالم، وليس مصر فحسب، بالأسماك البوري والدنيس والسمك الموسى، فقد تم إزالة عوائق بإجمالي 3480 طن، وتم إعادة فتح بوغاز البحيرة الذي يغذيها من البحر المتوسط، كما تم تطهيرها من الإطماء المتكرر، الذي يؤثر سلباً على حركة وصول أمهات الأسماك لوضع البيض والتكاثر. يعمل في البحيرة، عند كتابة تلك السطور، خمس كراكات، إحداهم هولندية، تعمل بصفة دائمة، على مدار اليوم، لتطهير البحيرة، وتم إنشاء مصنع للثلج، وآخر للفوم، إضافة إلى محطة تحلية لخدمة المنطقة، ومدرسة ثانوية للأسماك، وشملت عملية التطوير إزالة جميع المزارع السمكية، العشوائية، التي أقامها الأفراد، خلال فترة ما بعد 25 يناير، وتطاولهم بتجفيف جزء من مساحتها، وتم إنشاء مطار البردويل بجوارها لتصبح منطقة اقتصادية متكاملة، فاستعادت بحيرة البردويل، اليوم، مكانتها كأهم مصدر للأسماك المتميزة.
بحيرة ثانية تم فيها بذل الكثير من الجهد، لإعادتها لما كانت عليه من قبل، هي بحيرة المنزلة، أكبر البحيرات المصرية من حيث المساحة، والتي تولت القوات المسلحة إزالة التعديات عليها، التي بلغ عددها 4500 تعدي، وتم تطهير بوغاز الجميل الذي يغذي البحيرة بالمياه، وتم، أيضاً، إزالة جميع مزارع الأسماك العشوائية، وتم القضاء على البؤر الإجرامية للخارجين عن القانون، وتم فرض السيطرة، الكاملة، على البحيرة، لأول مرة، منذ أكثر من 20 عاماً. وعلى غرار بحيرة البردويل، يعمل، حالياً، في بحيرة المنزلة خمس كراكات، لتعميقها، بمستويات متباينة، بما يؤهل كل منطقة منها لاستقبال أنواع مختلفة من الأسماك، وفقاً لمتطلبات الأعماق المناسبة لكل نوع. كما تم القضاء كل مصادر التلوث، وأهمها مصرف بحر البقر، الذي كان يصرف، في البحيرة، 5,6 مليون متر مكعب، وكاد أن يقضي على الثروة السمكية بالبحيرة تماماً. وبدلاً عن تلويث البحيرة، أسست مصر أكبر محطة معالجة للصرف الصحي، في العالم، لتلك المياه، وتم ضخها في ترعة سيناء، مخلوطة بمياه النيل، لري 400 ألف فدان زراعي في شمال سيناء. وللحفاظ على البحيرة من أعمال التعديات، تم عمل كورنيش سياحي حولها، ليصبح متنزهاً للأهالي، كما تم تنظيم الصيد للطيور المهاجرة التي تصل كل عام إلى هذه البحيرة من أوروبا وهكذا عادت بحيرة المنزلة لتكون أكبر مصدر لإنتاج الأسماك في مصر ولحماية الطيور المهاجرة.
أما بحيرة قارون فجاري العمل بها لتعود لأصلها، كمنتجع شتوي للزائرين، والسائحين؛ فتم رفع كفاءة، وتجديد، محطات معالجة الصرف الصحي، التي تصب في البحيرة، وهما مصرفي البطس والوادي، كما يتم، حالياً، تنفيذ مشروع ضخم لاستخراج الأملاح من البحيرة، لإزالة الملوحة، لتعود لها أنواع الأسماك، التي فقدتها في الفترة السابقة. ونجحت القوات المسلحة في إزالة كافة التعديات والمزارع السمكية العشوائية، وجاري استكمال الطريق الساحلي، شمال البحيرة، لإيقاف أي تعديات مستقبلية. ومرة أخرى تعمل كراكات هيئة قناة السويس لإعادة البحيرة إلى سابق عهدها، لزيادة إنتاجها المميز من الأسماك، ولتعود ملجأ للطيور المهاجرة، كما كانت من قبل.
وفيما يخص بحيرة السد العالي فتحظى، هي الأخرى، باهتمام كبير لتطوير إنتاجها من الأسماك، في الفترة القادمة، وإعادة تطوير مصنع الثلج، والتغليف، والتعبئة. ومثلما يتم في هذه البحيرات يتم في باقي بحيرات مصر، فيتم إنشاء مفرخات سمكية، لتجديد هذه الثروة السمكية في كل بحيرات مصر، بالاستعانة بالخبرات الأجنبية، وعلى رأسها الصين. مع التأكيد على ضرورة إنشاء مصنع للثلج في كل منطقة، ومصنع للفوم، طبقاً لاحتياجات كل بحيرة، إضافة إلى مصانع لتعبئة وتغليف الأسماك، خاصة لنوعيات التصدير. وفوق كل ذلك، يتم حالياً إعداد قانون لتنظيم العمل بالبحيرات، وقد عرض مشروعه على مجلس الشعب لمناقشته والموافقة عليه.
وفي النهاية لا أجد الكلمات المناسبة، الوافية، لإعلان السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووعده للشعب المصري، بأن تعود بحيرات بلادنا إلى ما كانت عليه، وخاصة من حيث المساحة، بإزالة التعديات، وتطوير الإنتاج … وأبسط من يمكنني قوله، من وجهة نظري المتواضعة، في حق هذا المشروع القومي العملاق، أنه أهم المشروعات الإنتاجية، والاجتماعية، والبيئية والاستثمارية لمصر في الوقت الحاضر.