مع سرعان عجلة التطور التكنولوجي و السير قدما على خطى التحول الرقمي و توجه المؤسسات و الهيئات و الدول لرقمنة مختلف الأنظمة فإن النظام المالي يعد واحدا من أهم الأنظمة التي يتم رقمنتها، لتعكس فارقا اقتصاديا هاما في عالم المال و الأعمال التكنولوجي ، و بالتالي استحداث أدوات جديدة تحمل الصفة الإلكترونية للتعامل داخل هذا العالم. وأضاف فى دراسة تحليلية أعدها أن واحدة من أهم هذه الأدوات كان إنشاء عملة جديدة ذات طبيعة إلكترونية للتعامل بها على شبكة الانترنت التي تضم الملايين من التعاملات المالية ، تعددت أسماء هذه العملات منذ بدأت تحت مسمى “العملات الرقمية المشفرة” Cryptocurrencies
وتضمنت دراسة د. وائل عونى الاجابة عن هذا السؤال ما هي العملة الرقمية ؟ وأشارت الدراسة أن العملات الرقمية هى أموال مصممة للتداول في العالم الافتراضي ولكن لها قيمة حقيقية حيث يمكنك عن طريقها شراء أو بيع أي شيء الى جانب ذلك يمكنك تحويلها الى عملات ورقية حقيقية.
طريقة عمل العملة الرقمية كانت في بادئ الأمر عملية سهلة ويمكن لأي فرد وفي أي مكان مراجعة الشفرة والبدء في إنتاج عملات رقمية من خلال برامج خاصة مجانية تعمل على حل مسائل حسابية معقدة أو القيام بعملية التعدين أو التنقيب Mining، حيث يقوم الأفراد بالتنقيب عن العملة الرقمية من خلال العمليات الحسابية والخوارزميات المعقدة عن طريق برمجيات مفتوحة المصدر يستطيع الأفراد الوصول اليها، ولكن مع التطور السريع وزيادة الطلب على العملة الرقمية أصبح الأمر معقد وصعب على الأشخاص العاديين وذلك لكونها عملية مكلفة وتحتاج الى وسائل متطورة و استهلاك كهرباء عالي، لذلك اتجه المستثمرون الكبار الى توظيف أموالهم في شركات التعدين والتي تقوم بدورها في التنقيب عن العملات الرقمية وتقديمها للأفراد للتداول و الإستثمار. وتطرقت الدراسة إلى تاريخ العملات الرقمية فأشارت إلى أن رحلة العملات الرقمية المشفرة مرت بكثير من المراحل و محطات الفشل حتى انطلقت بمنتهى القوة ، بالعودة إلى عام ١٩٧٧ ظهرت خوارزمية RSA وهي من اختراع الثلاثي ليونارد أدليمان و آدي شامير و رونالد ريفست في معهد ماساتشوستس للتقنية، الخوارزمية التي شكلت النواة الأولى لتشفير هذه العملات و تأمين معاملاتها.
بعدها بسنوات طويلة وبالضبط عام ١٩٩٣ اخترع عالم الرياضيات ديفيد تشوم ecash، ما يقال بأنها أول عملة رقمية، بعدها عمل على جمع الأموال لتمويل فكرته ونجح في إنشاء شركة DigiCash التي تدير هذه العملة الرقمية المركزية، وعمل على التعاقد مع التجار والشركات من أجل قبول عملته واستخدامها في التعامل الإلكتروني، إلا أنه وبسبب تأخر التجارة الإلكترونية وعدم تناميها كثيرا في ذلك الوقت فشل المشروع ولم يتمكن من اقناع الشركات والتجار باستخدام عملته.
عام ١٩٩٧ اخترع آدم باك نظاما للحد من البريد الإلكتروني المزعج ويدعى Hashcash وهو الذي تم دمجه أيضا في خوارزمية وشفرة العملات الرقمية مع تطويره لها.
بعدها بعامين خلال ١٩٩٩ تم إطلاق أول بنك إلكتروني، ونتحدث عن باي بال PayPal الذي يساعد في تحويل الأموال عبر الإنترنت وقد عزز نجاحه واقبال الناس عليه في التأكيد على ضرورة إطلاق عملات رقمية إلكترونية تستخدم في تحويل الأموال.
عام ٢٠٠٤ كشف المبرمج هال فيني عن بروتوكول “RPOW” قابل لإعادة الاستخدام، وهو تدبير اقتصادي لردع هجمات الحرمان من الخدمة وانتهاكات خدمات أخرى مثل البريد المزعج على شبكة ما ، و الذي ساهم بدوره في تطوير عمليات التعدين ، وهو ما يعد دعما آخر لظهور العملات الرقمية.
عام ٢٠٠٨ تم إنشاء البلوك تشين على يد ساتوشي ناكاموتو الذي أعلن عن اتاحة عملة “البتكوين” للجمهور ٢٠٠٩ كأول عملة رقمية مشفرة ، و التي أثارت أنظار البنوك والمؤسسات المالية مع مرور السنين ، و دخلت في قطاعات كثيرة منها الطب والعقود الذكية والتجارة و التدريس و غيرها.
في نفس العام ، تمكن ساتوشي من تعدين ٥٠ وحدة منها وبعدها بأيام تمت أول صفقة للعملة بين ناكاموتو وهال فيني، ليصل سعر البتكوين عام ٢٠١١ إلى ١ دولار أي أنها تساوت معه في القيمة وهذا حسب تداولات بورصة MTGOX وبعدها ظلت تتزايد.
وقالت الدراسة : كان من المستحيل تعيين قيمة نقدية لوحدات العملة المشفرة الناشئة بالبداية ، و الطريف إنه في عام ٢٠١٠ حين كان البتكوين ب ٠٠١. دولار ، قرر شخص بيع ما لديه للمرة الأولى، وكانت المبادلة ١٠٠٠٠ كوين مقابل شراء بيتزا، وإذا كان المشتري قد غير هذه العملات فى وقتنا الحالي ، كانت قيمتها ستصل إلى أكثر من ١٠٠ مليون دولار، ثمن أغلى بيتزا في العالم وتابعت الدراسة التى أعدها الإعلامى د. وائل عونى :
بدأت تظهر عملات رقمية جديدة واعدة و منافسة للبتكوين ، وضمن هذه الأسماء نجد الريبل التي تأسست عام ٢٠١٢ ثم لايتكوين و المونرو ٢٠١٤، وفى العام ذاته أطلقت الحكومة الصينية العملة الرقمية نيو من أجل تدعيم الإقتصاد الصيني، ثم الإيثريوم ٢٠١٥ و عملة البتكوين فولت، هذه الأخيرة تأسست عام ٢٠١٩ و تنتظرها مكانة قوية بين العملات الرقمية و على منصات التداول المختلفة، و أخيرا سنجد عدد العملات الرقمية الآن وصل لأكثر من ٥٠٠٠ عملة في العالم الإفتراضي !
من جهة أخرى أصبحت هناك العشرات من منصات التداول والتي توفر شراء وبيع العملات الرقمية، وكذلك خدمات تحويل الدولار أو العملات النقدية إلى العملات الرقمية وتحولت إلى تجارة رائجة تحقق أرباحا قوية، و تقدير قيمتها السوقية مستقبلا ببضعة تريليونات دولار وقد تتجاوز قيمتها البورصات العالمية. كما تطرقت الدراسة إلى مستقبل العملة الرقمية فأشارت إلى أنه عام ٢٠١٦ اعتزمت وزارة المالية الروسية حظر التعامل بالعملات المشفرة في البلاد، وقد كانت هناك عقوبات مقترحة لمن يخالف ذلك، ورغم ذلك تغير موقف روسيا كليا حين أعلنت الحكومة الروسية في سبتمبر ٢٠١٧ أنها تسعى لتقنين استخدام العملات المشفرة. و بما إن التطور الإلكتروني موجود بصفة مستمرة ولا يمكن تصور العالم بدونه، وهو ما ينطبق على العملات الرقمية، إضافة للتوجه العام لتحرير الإقتصاد و التعامل بدون ورق مالي ملموس ، فمن المستحيل محو هذه العملات، فالحاجة اليها كبيرة وهائلة حيث تقوم بتلبية متطلبات الأفراد والهيئات بصورة كبيرة و سريعة، هذا ما أدى الى اتجاه دول العالم والمصارف الى تبني فكرة العملات الرقمية. و من ناحية الدول العربية فقد كانت الشرارة الأولى من إمارة دبي التي استخدمت البيتكوين في تعاملاتها وسمحت لها بالوصول الى أسواقها وبذلك تكون دولة الإمارات هي الدولة العربية الأولى والتي استخدمت نظام العملة الرقمية، الذي بدأ ينتشر بباقي الدول العربية، ليفتح آفاقا جديدة لرواد الأعمال و الاستثمار، في واقع تشكل فيه العملات الرقمية تحولا نقديا هائلا ببشر بمستقبل يتعامل فيه الجميع بدون عملات ورقية ملموسة.