متابعة / محمد مختار
١٥ أغسطس ٢٠٢٠
ولدت دورثي لويز إيدي، في بلدة ساحلية في لندن عام 1904، وهي في سن الثالثة، وأثناء نزول الطفلة البريطانية على سلالم منزلها، عام 1907، سقطت وأعلنت أسرتها وفاتها. ولكن، حدث ما لم يكن متوقّعاً.
طبيب الأسرة قال إن دورثي فارقت الحياة، وطلب تكفين الفتاة وتجهيزها للدفن، ووسط صدمة الأبوين، فاقت دورثي من غيبوبتها بشكل عادي وفي حالة جيدة، وبدأت الصغيرة تردد “أريد العودة إلى بيتي” ليخبرها والداها أنها بالمنزل، لكنها تصرّ في عصبية إن بيتها ليس هنا وتبدأ في إعطاء أوصاف لبيتها المزعوم.
وبعد عودة الطفلة للحياة بدأت تظهر عليها سلوكيات غريبة، حيث ظلت تصرخ مطالبة بأن “تعود إلى البيت”، كما أن تطورعندها متلازمة اللكنة الخارجية، وبدأت الطفلة ترى أحلاماً غريبة في نومها، إلى أن رأت صورةً للملعب الفرعوني “سيتي الأول”، وأدركت أن هذا المبنى نفسه، الذي تراه في أحلامها دائما. ثم تطور الأمر ولم تعد مُجرد أحلام، بل سيطر الأمر على حياتها.
لم يكن يعرف الأبوين أن هذه الحادثة ستغير مسار حياة ابنتهما لتتحول من المواطنة الإنجليزية دورثي أيدي إلى مكتشفة الآثار المصرية “أم سيتي”، التي قضت عمرها في مصر بين المقابر والمعابد ودفنت بجوار حبيبها الملك سيتي الأول في العرابة المدفونة بمركز البلينا بمحافظة سوهاج.
بعد مرور عام على الحادثة يصطحبها والدها في رحلة إلى المتحف البريطاني، وما إن رأت التماثيل الفرعونية حتى تبدل حال الطفلة الصغيرة، وبدأت تدور حول التماثيل وتقبل أقدامها وتصرخ وطني وسط دهشة الأب وزائري المتحف، الأمر الذي دعى والدها لإبعادها عن المتحف حتى لا تثير قلق الزوار.
تطوع السير بادج أن يعلم دورثي اللغة الهيروغليفية، فأدهشه سرعة تعلمها وحين سألها عن ذلك قالت “إنها تتذكر فقط ما تعلمته من قبل”، فقد كانت ما زالت تصر على أنها آتية من ذلك الزمن البعيد، وأنها في حياتها السابقة كانت جزء من بلاط الملك الفرعوني سيتي الأول، وقصت عليه الحلم الذي رأته حين حضر إليها سيتي الأول في نومها وطلب منها العودة إلى الوطن.
بحلول عام 1927 تنتقل الأسرة للعيش في لندن، الأمر الذي شجع دورثي على إشباع نهمها وحبها لدراسة المصريات، فالتحقت بمدرسة للفن وتخصصت في الفن القديم, أثناء ذلك تتعرف على شاب مصري حضر للدراسة يدعى إمام عبد المجيد، وتتوطد العلاقة بينهما، وبعد ثلاثة أعوام تتزوج وتنجب طفلها الوحيد، الذي قررت أن تسميه سيتي.
وفي عام 1933 تزور مصر لأول مرة برفقة زوجها، وبمجرد نزولها إلى ميناء بور سعيد تنحني مقبلة الأرض ومبللة رصيف الميناء بدموعها، يتلقى زوجها عرضا للعمل في العراق، لكنها ترفض ترك وطنها مصر، ليقع الطلاق في 1935، وعلى ما يبدو أن الزوج أخذ الطفل سيتي معه لأن جميع المصادر التي تحدثت عنها لم تذكر الطفل مجددا.
وفي السيرة الذاتية غير المكتملة التي كتبتها دورثي في عام 1972 حكت عن زيارات الإله حور رع لها في أحلامها، وأنه أخبرها أنها فتاة مصرية اسمها “بنترشيت” لأب يعمل في سلك الجندية، ولأم تعمل بائعة خضراوات في عهد الملك سيتي الأول (1290-1279 ق.م).
تتابع دورثي أنه بعد وفاة أمها لم يستطع الأب تحمل مشقة تربيتها فوهبها لمعبد أبيدوس، لتعمل كاهنة في خدمة الإله، وتكبر الفتاة وتصبح كاهنة من كاهنات المعبد وأثناء زيارة أجراها الملك سيتي الأول للمعبد تقع عينيه عليها ويفتن بجمالها، لتصبح إحدى عشيقاته، لتحمل منه.
ولشدة حبها للملك وخوفها على مستقبله السياسي من فضيحة علاقته غير الشرعية بإحدى كاهنات المعبد تنتحر، وحسب ما ذكرت المصادر كانت تلك القصة السبب في انتقالها في الجزء الأخير من حياتها إلى أبيدوس وسبب تسميتها بـ”أم سيتي “.
توفيت ام سيتى ام سيتى يوم 21 ابريل عام 1981 م .. ودفنت فى مقبرتها التى اعدتها لنفسها قبل وفاتها والتى حرصت أن تكون بعيداً عن مقابر المسلمين والمسحيين ولكن قريبة من أهلها المصريين القدماء.