كيف يقنعوك أن الفأر أسدا ؟ قد يبدو العنوان غريبا بعض الشىء! ولكن يوجد علم بهذا المسمى له قواعده وأهدافه وطرقه والشرائح المستهدفة كذلك! إنه علم التجهيل الجماهيرى النشط و تغييب المعرفة بالترصد وبالطرق العلمية..المعلومة وامتلاك المعرفة قوة ولذا تم ويتم التعامل معها على هذا الاساس: تحييد هذه القوة وتشويشها والحد من فعاليتها. يوجد مصطلح حديث يسمى (إدارة الفهم) والذى يعنى نشر معلومات مبثوثة فى صحف ومواقع تكون منقصوصة او حتى مغلوطة بقصد التاثير على عقول الناس وبالتالى فهمهم وحكمهم على الاشياء ، وهذا الامر ليس بالسهولة التى قد نتخيلها فيجب لكماله ان يكتسى بالعلمية ويزدان بمعرفة موثقة ولكنها غير حقيقية.. فقط تبدو كحقيقية، وإنجاز هذا الامر يحتاج الى مهارات عديدة ومعارف وعلوم كعلم النفس الجماعى والسلوكى والادراك وحتى اللغات وطرق التعبير..الخ فنشأ علم التجهيل ويسمى (اقنوتولوجى) والمصطلح إغريقى (أقنوسس) تعنى مجهول/ غير معروف و (لوجى) تعنى دراسة وهنا تعنى تحديدا دراسة كيفية تجهيل المجتمع وتغبيش المعرفة..الاشياء يجب أن تتُسمى أولا وتُعرف ثم يتم التعامل معها. إن الجهل لايعنى بالضروة الامية وإنما هو فى الواقع وضع ساتر لمنع الناس من التفكير الحر المستقيم والمنطقى، ومن سمات الجهل ايضا إعتناق أفكار مغلوطة وبمرور الازمان تصبح بدهيات وثوابت يصعب حتى مناقشتها دعك من منطقيتها. إن علم اللاعلم يعنى بنشر معلومات علمية مغلوطة أو مشبوهة وحتى منقوصة ومزورة، وقد قام بوضع المصطلح استاذ بجامعة استاندفورد يسمى (روبرت بروكتور) وهو استاذ لمادة تاريخ العلوم والتقنيات، ويشير الدكتور الى ان التجهيل المقصود يتم بواسطة طرق وقنوات مثل التكتم والتشكيك والتضليل فى وسائل التواصل الاجتماعى وإنتهاج سياسات عديدة ومخططة..أن الجهل لايعنى عدم المعرفة فقط وإنما هو صناعة منتج متكامل يتم تحضيره فى مختبرات المؤسسات المعنية مثل لوبيات وجماعات عديدة تنشط فى بلدان كثيرة..فمثلا لوبيات صناعة التبغ فى أمريكا فهم يشككون دائما فى صحة الابحاث العلمية المتعلقة بالتدخين بل يدفعون لبعض العلماء ذوى الضمائر المتعفنة لكتابة ابحاث تخالف الحقيقة..أن علم اللاعلم وتغبيش المعرفة يرتبط ارتباطا وثيقا بالحكم والاذعان والانقياد، فلهذا تتم حياكة المؤامرات وتُبذل ملايين الدولارات لاجل ان لايعرف الناس وأن يظلوا فى حالة جهل وسعادة وغباء لاحد لها. البروفيسر نعوم تشوفسكى وضع فى كتابه (أسلحة صامتة لحروب هادئة) قائمة لازمة الاتباع لتغبيش الوعى وبالتالى التحكم فى عقول الجماهير (بصورة علمية) ومبدأ هذه الامور هى ما يعرف بسياسة الإلهاء وهى إستراتيجىة للسيطرة على المجتمعات، وهى فى مجملها تعنى تحويل إنتباه الناس من الاشياء المهمة والضرورية الى أشياء تافهة، وبالتالى منع الناس من الاهتمام بالاشياء المهمة والضرورية كالعلوم التى لابد منها لتقدم المجتمعات مثل علوم النفس والطب والاقتصاد وغيرها..النظرية هى أن تجعل الناس مشغولون بتوافه الامور حتى لايكون لديهم وقت للتفكير او حتى التعلم الصحيح…ثم للإلهاء بكثافة وتشتيت الجهود تجىء سياسة إبتكر المشكلة ثم أوجد لها الحل، والامر كالاتى: تخترع أنت بنفسك كنظام متحكم مشكلة تعيسة ما ثم تنتظر رد فعل الناس الغاضب ثم تهدىء من روعهم بايجاد حل لها! الهدف ان لايظل المجتمع فى حالة هدوء، فالهدوء لايناسب على الاطلاق. واستراتيجية التدرج تعنى أن القرار تعطيه للجماهير عن طريق جرعات..ثم من الاساسيات فى التجهيل ان تتم مخاطبة الناس وكأنهم مجموعة من الاطفال الصغار لتجرديهم من الحس النقدى، والتحدث الى الجماهير عن طريق العاطفة لا عن طريق العقل، وهى بالمناسبة تقنية قديمة جدا وتجعل الناس فى حالة نفسية معينة تسمح بتمرير وزراعة الافكار فى عقولهم…زراعة المخاوف من التغيير وتبنى سلوكيات إستتباع وتقديس..ثم إبقاء المجموعات فى حالة جهل وحماقة والعمل بطريقة يكون خلالها المجتمع غير قادر على استيعاب التكنولوجيا والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده.. التعليم من أهم العناصر فى سياسة التجهيل وكيف لا! يجب ان يكون التعليم للطبقات الفقيرة هو الاكثر ضآلة وسوءا حتى تتسع الهوة المعرفية بين الطبقة العليا والسفلى..ثم نجىء الى أمر عجيب وهو تشجيع المجتمع على إستحسان الرزائل والغباء و إحلال الشعور بالذنب مكان التمرد ، والعمل على تسريب الشعور الى الفرد بانه هو فقط مسئول عن تعاسته وانه ناقص فى قدراته وذكائه وبالتالى بدلا من أن يثور على الظلم والطغيان يقوم بامتهان نفسه مما يولد ضغوطا نفسية ومجتمعية تنتج مجموعة من الناس مصابين بالاكتئاب والامراض النفسية، وهذا احد اهم أسباب الانغلاق والعجز وبدون تحرك لاتكون ثورة وبالتالى لاتغيير ، وتظل الامور كما هى وكما يرغب النظام..اخيرا من استراتيجيات التحكم فى الجماعات والشعوب هى دراستهم نفسيا، وبالتالى مقدرة النظام على معرفة سلوك الناس والتنبؤ المُبكر بتصرفاتهم…يقول البروفيسير تشومسكى إن التقدم العلمى الهائل عمل على إيجاد هوة كبيرة وهائلة بين المعارف العامة وتلك التى تمتلكها النخب الحاكمة، وهذا يعنى ان “النظام” اصبح يعرف عن الافراد اكثر ممايعرفون هم عن أنفسهم وبالتالى أصبح يتفوق عليهم بسلطة “العلم” وهم يبحرون فى أعماق بحار الجهل ووهاد التخلف.
عزيزى القارئ هل احد هذه النقاط تبدو لك مألوفة؟!
حازم خزام بالهيئة العامة للإستعلامات برئاسة الجمهورية