ظهر مصطلح “شرق المتوسط”، كمصطلح جيوسياسي، لأول مرة، في التقرير الاستراتيجي، السنوي، السري للغاية، الذي عرض على الرئيس الأمريكي، السابق، في بداية 2016، بشأن رؤية الولايات المتحدة عن الأوضاع في مختلف مناطق العالم. وقد أكد، ذلك التقرير، أن منطقة “شرق المتوسط”، تطفو فوق بحيرة من الغاز الطبيعي والبترول، محدداً أن المقصود بتلك المنطقة، كل من ليبيا ومصر، وفلسطين، وإسرائيل، ولبنان، وسوريا، وقبرص، واليونان.
ولقد اطلعت بنفسي على ذلك التقرير، وكتبت مقالاً، في 14 يناير 2016، نشرت فيه، في حدود المسموح، ما يخص مصر منه، إذ أكد أن مصر ستكتفي ذاتياً من الغاز الطبيعي، بحلول 2018، وستبدأ في تصدير فائض إنتاجها في 2020، وهو ما شهدناه بالفعل، خلال الأعوام الماضية. وأضاف التقرير، أن وضع مصر الاقتصادي، سيتحسن بصورة ملحوظة، وستحقق معدلات نمو مرتفعة، اعتباراً من عام 2022، بسبب اكتشافات الغاز الطبيعي، أمام سواحلها على البحر الأبيض المتوسط، مرجعاً الفضل، في ذلك، إلى قيام الرئيس السيسي بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، ومع قبرص واليونان، في خطوة استباقية، أتاحت للدولة، لاحقاً، حرية التعاقد مع الشركات الأجنبية للبدء في أعمال الحفر والتنقيب.
ولم يخف عن المحللين الاستراتيجيين، القائمين على ذلك التقرير، الانتباه إلى القرارات، التي اتخذها الرئيس السيسي، تباعاً، منذ 2015، لدعم القوات المسلحة المصرية، ورفع كفاءة أفرعها، والتي تبين، لاحقاً، أنها هدفت لتأمين المصالح الاقتصادية المصرية، خاصة في منطقة شرق المتوسط؛ فتم دعم القوات الجوية بطائرات الرافال الفرنسية، المقاتلة، إضافة إلى حاملات المروحيات، وتم دعم الأسطول البحري بأربع غواصات، ألمانية الصنع، من أحدث الطرازات الموجودة بالترسانات العسكرية، وصلت الثالثة منهم، إلى ميناء الإسكندرية، تمهيداً لتأسيس الأسطول البحري الشمالي، المعني بتأمين الاستثمارات البترولية، في شرق المتوسط، وحمايتها من الأطماع المحيطة بها، خاصة من تركيا، التي أبرمت اتفاقية، غير قانونية، لترسيم حدودها البحرية مع ليبيا، للاستيلاء على ثروات ليبيا، وهو أحد مفسرات الأحداث الجارية.
وفي خضم المطامع المحيطة، لم تغفل الإدارة السياسية في مصر، أهمية تأمين الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي لمصر، بتكوين الأسطول البحري الجنوبي، بهدف تأمين المجرى الملاحي في البحر الأحمر، خاصة بعد سقوط اليمن في أيدي الحوثيون، المدعومون من النظام الإيراني، وسيطرتهم على مضيق باب المندب، الذي يعتبر البوابة الجنوبية لقناة السويس، وأي تهديد له، يعد تهديداً لسلامة الملاحة بها، وما تمثله من أهمية استراتيجية للدخل القومي المصري. وبذلك يتأكد حكمة، وبعد نظر الإدارة السياسية في مصر، المؤمنة بضرورة وجود قوة لحماية الثروات القومية، وردع من تسول له نفسه المساس بها.