في بعض دول العالم التي تعلي قيمة الإنسان تبدو المسافة بين الكمامة و الغرامة كبيرة جداً ، لأن تلك الدول إستطاعت من خلال منظومة تعليمية متقدمه أن تتبنى نظاما صحيا متكامل الأركان جوهره بيئة نظيفة محاطة بوعي مجتمعي يؤمن بأن الصحة الجيدة هي أثمن شيئ في الحياة. وأن الإنسان هو الغاية و الوسيلة إلي حياة أفضل… بينما تتلاشى تلك المسافة في دول وسيلتها العبقرية التفنن في فرض رسوم وغرامات و غايتها بناء الحجر!!.
في الآونة الأخيرة كانت الصحة هي محور إهتمام كل حكومات دول العالم، جاء ذلك كتداعيات إنتشار فيروس كورونا، و كأنه نقطة تنبيه للعالم أجمع عن أهمية الحفاظ علي العادات الصحية و النظافة الشخصية، و تعظيم الحفاظ علي البيئة. و إلي أن يجد العلماء و الباحثين دواءا ناجعا أو لقاحا فعالا لذاك الفيروس المميت، وحتي تستمر الحياة ويخرج العالم من إقامته الجبرية، و يقلل خسائره الماديه و المعنويه، فقد كانت الضرورة لتطبيق كافة الإجراءات الإحترازىة و الوقائية التي نادت بها منظمة الصحة العالمية بكل حزم لضمان سلامة الجميع. فإرتداء الكمامات و وجود مسافات تباعد بين المواطنين، يعد الترجمة الوقائية لكيفية التعايش مع الأزمة في المرحلة المقبلة و التعامل مع تداعياتها و ما سببته من تأثيرات سلبية علي قطاعات الطيران و السياحة و الآثار و التي هي ركائز أساسية للاقتصاد القومي المصري. و تتطلب الخطة تكاتف جميع الوزارات و الهيئات التنفيذية و الرقابيه لوضع ضوابط و فرض عقوبات فورية حال عدم التنفيذ.
و برغم ذلك نقول.. أن الكمامة. و إجراءات إحترازية أخري لن تكون هي خط الدفاع الأول أو طوق النجاة في بيئة تم العبث بعقل وجسد وصحة المواطن الذي يسكنها… و مواطن إرتضي أن يتعايش مع بيئته بتصرفات خاطئة حمقاء… فلاتزال تلال القمامة مبعثرة في أنحاء شتي، تلقي يوميا في الشوارع دون حلول جذرية.. و لا يزال خلط مياه الصرف الصحي بمياه الري مستمرا..ناهيك عن تلوث التربة الزراعية بمبيدات حشرية ، وهذا في حد ذاته بيئة خصبه لنمو أوبئة أخري أشد خطرا تتنافس مع كورونا للفتك بصحة الإنسان.
فالاهتمام بالصحة العامة لا يبتعد عن الإهتمام بالبيئة بشكل عام، فعندما تتضرر البيئة نتيجه لتصرفات بشرية خاطئة يتضرر أفراد المجتمع أجمع، كما هو حال العالم الآن نتيجه تفشي فيروس كورونا. و بالتالي يحتاج النظام الصحي إلى تطوير فني في كل النواحي فيبدأ بالإعتناء بالعنصرالبشري (الجيش الأبيض ) علميا و ماديا و معنويا. مروراً بالتجهيزات الطبية، و إنتهاءا بتوحيد النظام الصحي. و للأسف هذا لن يتحقق إلا بزيادة ميزانية الصحة للوصول إلى الأرقام العالمية في الإنفاق، هذا إذا كنا نريد إصلاحا للصحة و جعل مصر من الدول المتقدمة في المجال الطبي. فالصحة في مصر حسب دستورها تقوم علي مبدأ حرية الوصول و الرعاية المجانية لكل المواطنين في المشافي الحكومية. وليس علي مبدأ العقاب بتحصيل الغرامة علي من لا يرتدي الكمامة. و لعل هذا يذكرنا بقرار تغريم من لم يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية بدلا من إصلاح البيئة الانتخابية ذاتها.