مادفعنى لكتابة هذا المقال هو إنكار البعض لمعجزة النص القرآني و عدم قدرته على التنبؤ بجائحة كورونا وإكتشاف علاج لها حسب ما زعمه البعض ممن لديهم إشكالية واضحة حول فهم المعنى الحقيقي لمفهوم الإعجاز الشامل للنص القرآني . على النقيض من هذا الرأى المُجحف وغيره المُنصف بحق النص القرآني ، نجد طرفاً يُبالغ فى تفسير المعنى الحقيقي للإعجاز العلمي للقرآن ، فينسب للقرآن ماليس فيه ، ويضفى عليه بجهل غير متعمد وحرص غير مبني على أُسس علمية ، ما يُسئ للمفهوم العقلي والمنطقي واللغوي لنظرية الإعجاز التى تميز بها النص القرآني ، و التى أصبحت سمة من سماته ، تحوم حولها العقول والألباب ، بالإثبات تارة ، والتأويل تارة . إن القرآن دستور الهي للبشر إلى قيام الساعة ، ففيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم مابيننا . وهو كتاب ملئ بكل أنواع الإعجاز العلمي فى اللغة والأدب والتاريخ والشعر و الطب بأنواعه ، والفلك والزراعة والصناعة ، وفنون الحرب والسلم والمواثيق والمعاهدات الدولية ، وأُصول ونظريات السياسة والإقتصاد ، وعلوم البر والبحر والسماء والفضاء . فيه اعجاز التشريع الجنائي والأحوال الشخصية وغيرها ، كالحدود والمواريث والزواج والطلاق و الفرائض ، واخبرنا القرآن عن قضايا تاريخية اندثرت ، ولم يكشف لنا حقيقتها غير القرآن ، مثل قصة ذو القرنين وأصحاب الكهف ومأجوج ومأجوج ، وكشف لنا إجمالا بعض خبايا وأسرار مابعد الموت وعالم الغيب وما فيه من اهوال وأحوال، وتوقف عند قضايا أخرى ولم يخبرنا عن طبيعتها مثل الروح .
أما بخصوص قضايا ومسائل الإعجاز الطبى والعلمى ، فلو قرأت القرآن جيدا لرأيت عشرات القضايا العلمية بكل مجالاته ، سواء اكتشاف العلوم الكونية او الطبية ، مثال إحياء الموتى فى الدنيا لسيدنا ونبي الله عيسى ، وكذلك قصة العُزير عليه السلام والذى اماته الله مائةعام ، وقصة بقرة بني إسرائيل ، وقصةأصحاب الكهف الذين ناموا اكثر من٣٠٠عام ، ولم تتعفن أجسامهم بسب تقليبهم أثناء النوم ، وكلبهم الذى ظل جالسا ٣٠٠عام دون تقليب ولم يتعفن .
فقام علماءاوربا بدراسة وتشريح عدد من الكلاب واكتشفوا أن جلد الكلاب يحتوى على طبقة غير قابلة للتعفن والتحلل بخلاف جلد الانسان ، فالقرأن إذا ملئ بالمعجزات والتحديات العلمية والكونية والطبية والنفسية . ولا يمكن أن نقول إن القرآن فيه نص صريح لعلاج لمئات الأوبئة والأمراض ، لكن القرأن امر بالتدبر والبحث وطلب العلم والأخذ بالأسباب لإكتشاف الامراض واسبابها وعلاجها .
مثال قتيل بنى إسرائيل ، فعندما عجزوا عن إكتشاف القاتل لجأو للسماء فأمرهم الله على لسان نبه موسى عليه السلام ان يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها . هنا معجزة طبية قرآنية واضحة ، وهى أن القرآن لفت انظارنا إلى أن فوق كل ذى علم عليم ، وأن البشر مهما بلغت قوتهم فهم يعجزون فى أحيان كثيرة عن اكتشاف الكثير من العلاجات لكثير من الامراض ، مما يتطلب تدخل الهى .
لكن لابد من سبب لإكتشاف الدواء ، فهذه إشارة من الله للبشر بالأخذ بأسباب العلم السعي للحصول على المعرفة كما أمر القرآن ، عكس الكنيسة التى كانت تعتبر طلب العلم هرطقة وكفر ، وكانت تعتبر النظافة خروج عن تعاليم المسيح بالتقشف والتعبد . و لدينا معجزة هندسية كيميائية عسكرية تحدث عنها القرآن بتفصيل وهى معجزة سد ذو القرنين و التى تناولها الإعجاز العلمى القرآني بشئ من التفصيل والشرح الدقيق لأدوات المعرفة وقواعد ونظريات هندسية وكيمائية فى ذات الوقت.
فنجد القرآن تناول بعض القضايا العلمية او الطبية بالتفصيل الدقيق ، ليتعلم الناس منها ، ويؤسسوا عليها علومهم التجريبية ، وهذا ما فعله علماء المسلمين فى القرن الثاني الهجري فى كافة العلوم التجريبية مثل الطب والفلك والزراعة والصناعة والقرآن فى معجزة عسل النحل أخبرنا إجمالا أن فيه شفاء للناس ، لكنه لم يفصل لنا انواع الأمراض التى يمكن أن يعالجها عسل النحل . كذلك فى معجزة البعوضة أخبرنا الله انه تحدى الكفار الذين انكروا البعث بعد الموت ، وانكروا القرآن ومعجزاته ، فذكر لنا البعوضة التى نعرفها جميعا ، وما فوقها ، لكن الكفار وقتها كانوا يعرفون البعوضة ، ولكنهم لم يفهموا ما الذى فوقها ، حتى جاء العلم الحديث وتقدم علم التشريح وغيره ، واكتشف ما فوقها ، وهى حشرة متطفلة على جسد البعوضة وملازمة لها ، تتغذى على الدم الذى تمتصه البعوضة من جسد الإنسان . الرسول نفسه قال لنا تداوو عباد الله ، فما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء ، وهذه إشارة قرآنية للبحث والأخذ بالأسباب .
وليس معنى ان القرآن لم يبين لنا علاج الكثير من الامراض انه ليس كتاب اعجاز ، فالإعجاز القرآني واضح كالشمس فى كل العلوم الإنسانية والتجريبية ، وأخبرنا عن حقائق علمية لم يكشفها كتاب قبله ، وجاء العلم الحديث فأكتشفها ، كما أخبرنا عنها القرآن . مثل مراحل خلق الإنسان فى بطن أمه ،وكذلك ظواهر كثير كان العالم يجهل طبيعتها وماهيتها ، حتى جاء القرآن وكشف لنا عنها ، مثل الظواهر الكونية ومنها ظاهرة السراب والسراب المعكوس ، والتوتر السطحى ، وأسلوب حياة الذباب ، وبعض الكائنات الحية ، والحفاظ على جودة بعض المحاصيل أطول فترة ممكنة من الزمن ، مثل قصة تخزين القمح التى بينها القرآن على لسان النبي يوسف عليه السلام وحماية مصر فى سنوات الجفاف العجاف . حتى الله سبحانه و تعالى تحدى الكفار ان يأتوا بمثل القرآن ، ونفى قدرتهم على ذلك حتى ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
فى الختام : القرآن كتاب ملئ بالتحدى والقضايا المتنوعة والمليئة بالإعجاز فى كل شئ لكنها ظاهرة فى مجملها وخفية فى تفاصيلها فى البعض منها تحفيزا للبشر والمؤمنين على وجه الخصوص بالبحث والتنقيب والتفسير عن أسراره ووجوه الحكمة والإعجاز في نصوصه السماوية