شهور قليلة مرت و شهور أخري قادمه و لا تزال الكرة الارضيه بمن عليها غارقه في طوفان كورونا. ذلك الطوفان الذي تسلل الي كل بيت و ناحية، فأصاب ما أصاب و حصد مئات الآلاف من أعز ما تملك البشرية من حياة.. ولم يكتف بذلك بل إستطاع أن يغلق بوابات العالم و مطاراته و موانيه بعد أن أصبحت حدود دوله في حالة إغلاق إجباري. مستنزفا قوته الاقتصادية و لأجل غير مسمى.. وهذا في حد ذاته عقاب جماعي لسكان العالم علي اختلاف اجناسهم و الوانهم ومعتقداتهم.
و مما لاشك فيه أن طوفان كورونا قد أدخل العالم إلى طريق مخيف و تركه في منعطف مجهول . ولعل ما نحن فيه يذكرنا بقصة الطوفان، تلك القصة التي لا تخلو ذاكرة شعوب العالم من إدراكها ، فهناك اكثر من ٥٠٠ أسطورة حول الطوفان تنحدر من ذاكرة شعوب مختلفه تتحدث عن هذا الحدث العالمي، و سواء وردت تلك القصة في الديانات السماوية أو في الأساطير الشعبية القديمة إلا أن أغلبها يتفق علي أن الهلاك تم بطغيان الماء و أن النجاة تمت علي متن سفينه رست علي قمة جبل. كذلك إتفقت جميع قصص الطوفان سواء السماوية أو الوضعية علي أن الطوفان أغرق شرار البشر و أنجي خيارهم.
و مما لا شك فيه أن نزول الأوبئة و الكوارث الطبيعية سنة كونيه حدثت وتحدث و لن تتوقف كدوران الأرض. وذلك لتمحيص العباد، و أن إبتلاء الله لعباده ليس موجها للظالمين والعصاه و المذنبين فحسب، بل يصيب الأنبياء و الصالحين و الأولياء أيضا. ليس هوانا بهم ولكن علامة علي حب الله لهم ورفعة في درجاتهم. و الحقيقة أن كورونا ليست سوي إسما مستعارا لما كسبت أيدي الناس من الفساد و الإفساد في الأرض. فمن عجائب هذا الزمان أن يقوم بعض دعاة المذاهب الهدامة الذين يتشدقون بالحرية بالإفساد في العالم، مع لبس ثياب المصلحين، فهم يزعمون الإصلاح و الإطعام و المعونه من جهه و يقتلون و يفسدون في الأرض من ناحية أخري !!.
وهذا يدعونا إلي التوقف و التأمل و التفكير. و الإجابة علي سؤال واحد :لماذا عم البلاء هذة المرة دول العالم بلا استثناء، بعد أن كان مقتصرا علي أمم دون غيرها في القرون الغابرة ؟. و الحقيقة أن الفساد و الإفساد قد أصبح كأمواج عاتية أصابت جميع مجتمعات العالم النامية والمتطوره والمتقدمه منها على حد سواء وإن كانت بدرجات متفاوته. ومن المؤسف أن معدلات الفساد آخذه في الإزدياد كما و نوعا . تلك الظاهرة التي تم فيها إنتهاك القيم الدينية و المثل العليا و المعايير و القوانين الوضعية . حتي أصبح الفساد و كأنه مقننا و معقدا، فكان مقدمة لنزول هذا الوباء الذي نشر الرعب و الذعر في جنبات العالم كافة. بعد أن زرع بذور العداوة و الفرقة بين الناس، و حطم كيان الأسر و هدد كرامة الفرد، وأدى الي إهدار المال العام، و وقف كعقبة كئود أمام أي إنتصار للإنسانية.
و برغم طوفان كورونا و ما يحدثه من دمار في الممتلكات و الأرواح و الإقتصاد إلا أنه لن يكن شرا مطلقا وذلك لانه يمنح الأرض قبلة جديدة للحياة و هدنه ربما يحتاج إليها أهل الأرض جميعا (أفرادا و مجتمعات و دول ) لوقفة مع النفس و عودة الي الضمير ورغبة صادقة في الكف عن الإفساد في الأرض.. تلك هي السفينة التي نحتاج أن نستقر علي متنها لننجو من هذا الطوفان و نرسو علي شاطئ الإنسانية . و إلا فالطوفان القادم لن يبقي و لا يذر، وسيكون العذاب من جنس العمل.