محمد سعيد أبوالنصر
1-المنشأ التاريخي لمفهوم الدولة الحديث
مفهوم الدولة الحديث ظهر في أوربا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر
بعد أن تحطمت السلطة البابوية. وانهار النظام الإقطاعي، والزعامات الإقطاعية الذي كان يقوم على الجمع بين ملكية الأرض
وبعض الامتيازات كقيادة الجيش أو جمع الضرائب مثلاً، دون أن يكون للملك سلطة حقيقية إلَّا على أرضه التي اقتطعها لنفسه.
وقد أدى تجمع سكان الإقطاعات إلى ما يسمى بالأمة :كالأمة الإيطالية والأمة الفرنسية، ثم تولد عن ذلك ما يعرف بالدولة بوجود
سلطة سياسية في المجتمع، لأن السلطة السياسية هي الصورة الحديثة للجماعة السياسية وهكذا توالى ظهور الدول الحديثة ذات القومية
الواحدة، وتوطدت أركانها الاقتصادية، كما حدث في إنجلترا وفرنسا وأسبانيا، والبرتغال والسويد والدانمرك والنرويج، والمجر
وبولندا وروسيا. وبعد هذا جئنا إلى فكرة العائلة الدولية منذ مؤتمر وستفاليا سنة (1648 م) ، وكانت مقصورة في أول الأمر
على دول غرب أوربا، ثم انضمت إليها سائر الدول المسيحية، غير الأوربية، ثم اتسعت في سنة 1856م فشملت: تركيا الدولة الإسلامية
، ودولاً أُخرى غير مسيحية: كاليابان والصين
2-تطور مفهوم الدولة الحديث
قامت الدول الحديثة على عدة خصائص أو عناصر:
وهي 1- النظام 2-السيادة
– الشخصية القانونية .
ونقصد 1- بالنظام : ائتمار الجماعة بأمر فئة منها وخضوعها لقراراتها
. أو بعبارة أخرى: وجود طبقة من الحكام وأخرى من المحكومين. وهذا في الحقيقة هو المظهر الداخلي لسيادة الدولة وسلطانها
(2) أما السيادة: فمعناها أن سلطة الدولة سلطة عليا لا يسمو عليها شيء، ولا تخضع لأحد، ولكن تسمو فوق الجميع،
وتفرض نفسها على الجميع. ومقتضاها أيضاً أن سلطة الدولة سلطة أصيلة، أي لا تستمد أصلها من سلطة أخرى.
وللسيادة وجهان: سيادة خارجية، وسيادة داخلية.
فالسيادة الخارجية: خاصة بالعلاقات الخارجية بين الدول، ومقتضاها
عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة الخارجية لأية دولة أجنبية، والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، ومن ثم فالسيادة
الخارجية مرادفة للاستقلال السياسي، وذلك يتوفر باعتراف الجماعة الدولية بها.
وأما السيادة الداخلية : فمعناها أنَّ الدولة تتمتع بسلطة عليا على جميع الأفراد والهيئات الموجودة على إقليمها،
وأن إرادتها تسمو على إرادتهم جميعًا
3- الشخصية القانونية.
ومعناها أن الدولة
وحدة قانونية مستقلة عن أشخاص الحكام الذين يمارسون السلطة، وأن هذه الوحدة لها طابع الدوام والاستقرار
لا تزول بزوال الأفراد الذين يباشرون الحكم، وأن السلطة التي تتمتع بها إنما تقوم من أجل خدمة أغراض الجماعة
، لا من أجل تحقيق مآرب شخصية للحاكم. ويترتب على ذلك أن الشخص المعنوي يلزم غيره، ويلتزم في ذمته كالأشخاص الطبيعيين
تماماً، أي أن له أهلية التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات، إلا أن نظرية السيادة المطلقة تعرضت في العصر الحديث لانتقادات
جوهرية، وهجرها الكثيرون على اعتبار أنها لا تتفق مع الظروف الحالية للمجتمع الدولي ، وبرز اتجاه معاصر نحو إمكان الانتقاص
من السيادة على الصعيدين: الإقليمي والدولي، ففي مجال التعاون الإقليمي نما الإدراك لدى بعض الشعوب والأمم بوجوب التجمع
في صور تغاير صورة الدولة بعناصرها التكوينية الحالية، وبوجوب التعديل في عنصر السيادة الذاتية، وظهرت الاتحادات القارِّية
كالاتحاد الأمريكي الذي نشأ في أواخر القرن الماضي، ثم تجدد تنظيمه بعد الحرب العالمية الثانية، وكالاتحاد الأوربي الذي برز إلى
حيز التحقيق العملي بعد الحرب العالمية الأولى، ثم بدت أهم مظاهره بعد الحرب العالمية الثانية، فنشأ المجلس الأوربي
سنة (1949م)، وعقدت اتفاقية السوق الأوربية المشتركة عام (1957 م)، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية وقعت
روسيا والدول الشيوعية ميثاق وارسو سنة (1955م) .وهكذا تتجه الدول الحديثة في النطاق الإقليمي نحو الوحدة أو الاتحاد
لتقوية شأنها ودعم نفوذها.
وعلى الصعيد الدولي طرأ على مفهوم السيادة قيد جديد، فأصبحت الدول
من الناحية النظرية القانونية لا الواقعية الفعلية غير مطلقة التصرف في ميدان العلاقات الدولية لخضوعها للقانون الدولي العام المفروض
على الدول بناء على اعتبارات تعلو على إرادتها، والذي هو يورد قيوداً على تصرفات الدول، ويحكم علاقاتها مع الدول الأخرى
ومع الهيئات الدولية، فمثلاً: تضمَّن ميثاق الأمم المتحدة قيداً على مبدأ السيادة المطلقة في مظهرها الخارجي، فقضى على حق
الدولة في إعلان الحرب متى شاءت، لأن الميثاق يقوم على فكرة نبذ الحروب ووجوب استتباب الأمن والسلم الدولي .
والخلاصة: أن الاتجاه الحالي للدول نحو التجمع والاتحاد يتفق مع أصل الفكرة الشرعية الداعية إلى وحدة السلطة أو السيادة في جميع أقاليم دار الإسلام.