حين يصبح الوطن شركة خاصة تتقاسم أرباحها النخب السياسية المرقة
السياسي المتلوّن أو الانتهازي الذي لا يثبت على مبدأ واحد، يغيّر مواقفه بحسب المصالح. “يركض وراء المرق” (أي: المنافع، السلطة، الامتيازات… إلخ). يعمل بأسلوب براغماتي مفرط، يركّز على “المكاسب” أكثر من المبادئ. يغيّر موقفه حسب من يدفع أكثر أو من يملك المواقف أو السلطة. التحالفات ينتقل من حزب لآخر أو من موقف لموقف حسب و الظروف. الخطاب الإعلامي يقول ما يُرضي الجمهور اليوم، ويغيّره غدًا دون حرج. يقدّم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، ولو تظاهر بالعكس. غالبًا ما يكون متورطًا في صفقات مشبوهة أو الفساد أو المحسوبية.
السياسي المرق لا يُمكن توقع مواقفه يُجيد الكلام دون أن يقول شيئًا محددًا. يحب الظهور الإعلامي لكنه لا يُقدّم حلولًا حقيقية. يركب على الموجة الأقوى في أي قضية. ينجح أحيانًا، لأن الناس تنسى أو تُخدَع بالشعارات التي يروجها له الإعلام المتواطئ . كما أن غياب البدائل الجيدة يجعل البعض يختاره.
تفكير السياسي يختلف عن تفكير الشخص العادي في عدة جوانب لأنه غالبًا ما يكون مبنيًا على موازنة دقيقة بين المبادئ والمصالح، وبين ما هو مرغوب وما هو ممكن. إذ يفكر السياسي عادة في: 1. التركيز على المصالح لا المبادئ فقط لا ينظر فقط إلى ما هو “صحيح” أو “أخلاقي”، بل يفكر في ما الذي يمكن تحقيقه فعليًا. في من سيؤيده أو يعارضه. ما الفائدة أو الضرر السياسي من اتخاذ موقف معين. قد يؤمن السياسي بحرية التعبير، لكنه يدعم قانونًا يقيّدها جزئيًا لحماية الأمن القومي أو لضمان تأييد حلفائه. 2. الوعي بالصورة العامة: السياسي يفكر في التأثيرات بعيدة المدى: كيف سيؤثر القرار على الانتخابات؟ ما هي ردود فعل الإعلام والجمهور؟ هل هذا التحرك سيُفهم بشكل صحيح أم يُساء تفسيره؟ 3. حسابات القوة والتوازنات: من يملك النفوذ في هذه المسألة؟ هل يمكن تمرير هذا القرار بدون دعم من جهات قوية؟ هل هناك توازنات إقليمية أو دولية يجب مراعاتها؟ 4. المرونة والبراغماتية: السياسي الناجح لا يتمسك بموقف جامد، بل: يغير موقفه إذا تغيرت المعطيات. يقدّم تنازلات للحصول على مكاسب أكبر. يتبنى الخطاب المناسب للجمهور المناسب. 5. فن الممكن لا فن المثالية: كما يقول السياسي الألماني بسمارك: “السياسة هي فن الممكن”. أي أن السياسي يحاول تحقيق ما يمكن تحقيقه الآن، ثم يدفع باتجاه المزيد تدريجيًا، بدلاً من انتظار الظروف المثالية. 6. التلاعب بالرأي العام (أحيانًا): السياسي يفكر: كيف يقنع الناس بالقرارات؟ ما اللغة التي ستجعلهم يتقبلونه؟ هل يحتاج إلى تحويل الانتباه إلى قضية أخرى؟
في الغالب تفكير السياسي عبارة عن مزيج من:الاستراتيجية، التحليل النفعي القدرة على قراءة الواقع والتواصل مع الناس بشكل ذكي. في هذا السياق لا بد أن نضع إطار مقارنة مركزة بين تفكير السياسي وتفكير الناشط وتفكير المثقف، توضح كيف تختلف زوايا النظر و الأولويات بين كل واحد منهم: 1.الهدف الأساس السياسي: الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها لتحقيق أجندته ضمن الواقع السياسي القائم. الناشط:الدفاع عن قضية أو مبدأ أخلاقي اجتماعي، غالبًا دون اعتبار للواقع السياسي أو التوازنات. المثقف: البحث عن الحقيقة، وتفسير الواقع، وطرح رؤى نقدية أو فلسفية قد تكون مثالية. 2. المرونة في المواقف: الموقف من التنازلات: براغماتي: السياسي يُقدِّم تنازلات لكسب دعم أو تمرير قرار. مبدئي: الناشط يرفض التنازلات ولو على حساب الواقعية. نقدي: المثقف يرفض التبسيط، وينتقد التنازلات إذا أضعفت المبادئ. 3. التعامل مع الجمهور: طريقة التواصل: يستخدم السياسي لغة شعبوية أو خطاب جذّاب لكسب التأييد. الناشط طابعه تعبوي وعاطفي لتحفيز الناس على التحرك. يستخدم المثقف لغة تحليلية/نقدية، وقد لا يهتم بجذب الجماهير. 4. رؤية الواقع: النظرة إلى الواقع: السياسي واقعي – يتحرك ضمن الممكن. الناشط مثالي – يسعى لتغيير الواقع مهما كان صعبًا. المثقف تحليلي – يشرح الواقع ويفككه، دون بالضرورة أن يغيره. 5. نظرة الآخر إليه: كيف يُنظَر إليه؟ السياسي ذكي لكن انتهازي أو متقلب. الناشط شجاع لكن ساذج أو متهور. المثقف عميق لكن بعيد عن الواقع.
مثال واقعي: قضية مثل التغير المناخي: السياسي: يدعم “حلولًا تدريجية” مثل التحفيز على السيارات الكهربائية، بشرط ألا تؤثر على الاقتصاد أو شعبيته. الناشط: يطالب بحظر الوقود الأحفوري فورًا، ويعتبر أي تأخير “خيانة”. المثقف: يناقش الجذور البنيوية للمشكلة (النموذج الرأسمالي مثلًا) دون التورط في السياسات. د.محمد جستي