بدأت صباح اليوم الخميس، مناورات النجم الساطع “Bright Star” والتي عادت مرة أخرى إلى مصر في دورتها التاسعة عشرة، في الفترة من الخميس 28 أغسطس حتى يوم 10 سبتمبر القادم. وسوف يشارك في هذا التدريب المشترك على أرض مصر 43 دولة، منها 12 دولة تشارك بقوات ومعدات عسكرية بأكثر من 7900 مقاتل، بينما تشارك 30 دولة بصفة مراقب. وتعد تدريبات النجم الساطع من أكبر التدريبات المشتركة التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية والقيادة الوسطى “Central Command” على مستوى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وعادة تقام مناورات النجم الساطع في الخريف كل عامين، حيث بدأت في أكتوبر 1980 بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979. وقد توقفت هذه التدريبات أربع مرات: الأولى عام 1990 بسبب حرب الكويت، والثانية عام 2002 بسبب حرب العراق، والثالثة عام 2011 بسبب أحداث 25 يناير، والرابعة عام 2013 بعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر.
وعموماً، تهدف مناورات النجم الساطع إلى تبادل الخبرات بين مختلف المدارس العسكرية وأنظمة التسليح المتطورة. بينما تركز الولايات المتحدة من هذه التدريبات على اكتساب مهارات القتال في الأراضي الصحراوية.
وفي البداية يتساءل الجميع: هناك 12 دولة تشترك بقوات ومعدات وأسلحة، وهناك 20 دولة تشترك بصفة “مراقب”، ماذا يعني ذلك؟ ولتوضيح هذا المفهوم أن الدول المراقِبة يحضر منها كبار القادة، وأربعة منهم على سبيل المثال بمستوى “رئيس أركان حرب”، أو “رئيس هيئة العمليات”، أو “رئيس هيئة التدريب” ومعهم المتخصصين لمتابعة كل ما هو جديد، في هذه المناورات.
ويأتي السؤال الثاني دائماً: لماذا يُجرى هذا التدريب في مصر؟
الإجابة تأتي في نقطتين أساسيتين. الأولى أن مصر هي آخر دولة دخلت حرباً تقليدية مع عدو قوي، وهي إسرائيل، حيث أن معظم الحروب التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة كانت من طرف واحد، باستثناء الحرب الروسية–الأوكرانية. أما حرب أكتوبر 1973 فكانت بين مصر وإسرائيل، وهو عدو قوي مسلح بأحدث الأسلحة والمعدات. ومن هنا خرجت مصر من هذه الحرب بخبرات قتالية كبيرة ما زالت تدرّس حتى الآن في المعاهد العسكرية المختلفة، ومنها حائط الصواريخ الذي قدم للعالم نظرية تحييد القوات الجوية المعادية، ومنها تطوير قتال المشاة باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات بدون الاعتماد على الدبابات، ومنها معركة المنصورة الجوية التي تُدرّس حتى الآن في جميع المعاهد العسكرية في العالم. لذلك يسعى الجميع للحضور إلى مصر للاشتراك في هذه المناورات للاستفادة من خبرة القوات المصرية بعد حرب 1973.
كذلك تتمتع القوات المصرية بخبرة كبيرة في القتال في الصحراء، وهو ما يميزها عن غيرها. أما النقطة الاخرى فهي خبرة مصر في القتال ضد الإرهاب، حيث حققت نصراً كبيراً في القضاء على الإرهاب بعد معارك استمرت ست سنوات، خرجت منها القوات المسلحة بتجارب وخبرات عملية قيّمة. ولهذا أصبحت كيفية مواجهة الإرهاب أحد عناصر التدريب المشترك.
ويبقى السؤال: هل تستفيد مصر من هذه التدريبات المشتركة؟ والإجابة هي نعم، بالطبع. فهذه التدريبات تشارك فيها 13 دولة بقواتها وأحدث أسلحتها ومعداتها التي ترغب في اختبارها عملياً. وهو ما يمثل فرصة للقيادة المصرية للتعرف على هذه الأنظمة والأسلحة الجديدة عن قرب، واختيار ما يلزم للقوات المسلحة عند التعاقد على شراء أي سلاح جديد.
كما أن مصر تتعرف من خلال هذه التدريبات على أساليب القتال في العقيدة الغربية التي تتبعها الولايات المتحدة، وهي نفس العقيدة التي تتبعها إسرائيل العدو الرئيسي لمصر. وهذا ما أعتبره أكبر استفادة لمصر من هذه المناورات. إلى جانب ذلك، فإن هذه التدريبات ترفع الروح المعنوية لجنودنا. وأذكر أنني حضرت أكثر من أربع مرات هذه التدريبات المشتركة، خاصة يوم الرماية. ففي إحدى المرات كنت في ميدان رماية الدبابات، حيث كان على يمين منصة العرض سرية دبابات مصرية من عشر دبابات “أبرامز M1A1” الأميركية الصنع، وعلى اليسار سرية أمريكية (عشر دبابات أميركية) من نفس النوع. وعندما بدأت الرماية بالذخيرة الحية أمام الجميع، بحضور وزير الدفاع المصري ورئيس الأركان والملحقين العسكريين الأجانب في مصر، وكثير من الضباط والطلبة العسكريين، انتهى التمرين بتحقيق السرية المصرية تقدير “امتياز”، بينما حققت السرية الأميركية تقدير “جيد جداً”. لقد كان يوماً مشهوداً امتلأ فيه الميدان بالفرحة والفخر، وظهرت فيه كفاءة المقاتل المصري أمام أعين الجميع.
ولا يجب أن نغفل أن مصر تمتلك الآن أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة محمد نجيب العسكرية غرب الإسكندرية، التي أنشئت خصيصاً لاستيعاب هذا الحجم من القوات والمعدات والأسلحة. القاعدة مجهزة بميادين تدريب على أعلى مستوى، ومساحات واسعة للتدريب الصحراوي، واستعدادات لوجستية وإقامة متكاملة للقوات المشتركة. كل ذلك يمثل فخراً للعسكرية المصرية، ويثبت للعالم أن مصر لديها جيش عظيم ليس فقط من الناحية القتالية، بل أيضاً في القدرة على التنظيم والإدارة لأكبر ومن اعظم التدريبات العسكرية المشتركة في العالم حالياً.
ويبقى السؤال الحائر: هل سيتم استخدام الأسلحة الجديدة، مثل الطائرات “الدرونز” التي أثبتت فعاليتها في الحرب الروسية – الأوكرانية؟ وهل سيظهر استخدام الذكاء الاصطناعي “AI” في هذه التدريبات؟
هذا ما سوف نراه خلال تدريبات “النجم الساطع” في دورتها التاسعة عشرة، والتي ستكون مفاجأة هذا العام.