متابعة / عادل شلبي منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وهي تتعرض لحملات متكررة من التشويه والاتهام بأنها السبب في ضعف الموقف العربي، أو أن إسرائيل استغلتها لتوسيع نفوذها في المنطقة. لكن الحقيقة التاريخية والسياسية تقول غير ذلك تمامًا.
اتفاقية كامب ديفيد هي أول اتفاق سلام عربي – إسرائيلي ينتهي بعودة الأرض المحتلة كاملة، وهي سيناء. استرجعتها مصر بسلام، بعد أن حرر الجيش المصري شرف القرار العسكري في أكتوبر 1973. وهذا في حد ذاته إنجاز وطني لا يُستهان به، لأنه أعاد السيادة المصرية على كامل حدودها، وحمى مصر من الدخول في دوامة استنزاف عسكري واقتصادي لا نهاية لها.
البعض يخلط بين السلام و”الاستسلام”. اتفاقية كامب ديفيد لم تكن إذعانًا لإسرائيل، بل كانت مكملة لانتصار أكتوبر، وضمنت لمصر أن تتحول من دولة في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، إلى دولة تستعيد قوتها الداخلية وتبني اقتصادها وجيشها بعيدًا عن حرب استنزاف مستمرة. والدليل أن الجيش المصري اليوم هو أقوى جيوش المنطقة، وهذا لم يكن ليتحقق لو ظلت مصر في مواجهة عسكرية دائمة.
من الظلم أن نحمّل كامب ديفيد مسؤولية ما وصلت إليه القضية الفلسطينية : • ماذا فعلت منظمة التحرير بعد كامب ديفيد؟ دخلت في صراعات داخلية، ووقّعت فيما بعد اتفاق أوسلو الذي سلّم 80% من القضية إلى وعود هشة. • ماذا فعلت حماس بعد 2007؟ حولت غزة إلى ساحة معزولة، بلا رؤية استراتيجية، وأدخلت القضية في دوامة انقسام. • وماذا عن الدول العربية الأخرى؟ العراق انهار بعد غزو 2003، سوريا انهارت بعد 2011، ليبيا في فوضى، ولبنان غارق في أزماته.
هل هذه مسؤولية كامب ديفيد؟ بالطبع لا، بل مسؤولية أنظمة وقيادات راهنت على شعارات الصمود والتصدي ولم تحمِ شعوبها ولا أوطانها.
الإخوان وأنصارهم يروجون أن ما يسمى بـ”جبهة الصمود والتصدي” بقيادة صدام حسين كانت على حق برفض كامب ديفيد. لكن دعونا نسأل: • أين العراق الآن؟ بلد محطم، دُمر جيشه واحتُل مرتين. • أين سوريا؟ صارت ساحة نفوذ لإيران وروسيا وإسرائيل نفسها. • أين ليبيا؟ دولة مفككة تعيش على الفوضى. هل هذا هو “الصمود”؟ أم كان مجرد شعارات انتهت إلى لا شيء؟
لقد جنّبت الاتفاقية مصر سيناريوهات مأساوية شهدتها دول عربية أخرى. فمصر لم تُقسم مثل سوريا أو العراق أو ليبيا. بل ظلت مستقرة، قوية، قادرة على حماية أمنها القومي، بل وتدير ملفات المنطقة بوزنها التاريخي.
سلام مصر مع إسرائيل كان صمام أمان، ليس فقط لها، بل للمنطقة كلها. ولو لم تكن كامب ديفيد، لربما شهدنا حروبًا متواصلة تستنزف كل مقدرات العرب، بينما إسرائيل تبني قوتها بهدوء.
في النهاية اتفاقية كامب ديفيد لم تكن خيانة، ولا تنازلاً، بل كانت قرار دولة مسؤولة أدركت أن الحرب لها توقيت والسلام له ثمن. من يحملها اليوم وزر سقوط غزة أو ضعف سوريا والعراق، إنما يزوّر التاريخ ويُبرئ الأنظمة الفاشلة من جرائمها بحق شعوبها.
الشهيد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، دفع حياته ثمنًا لجرأته، لكنه ترك لمصر أكبر مكسب استراتيجي في القرن العشرين: أرض محررة، وسيادة مستقلة، ودولة صامدة حتى اليوم