السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل يمكن أن تنجح أجيال قادمة في تقبّل فكرة سلام أو تطبيع مع إسرائيل، بعد ما شاهده العالم من قتل وتدمير وتهجير وتجويع ارتكبه هذا الكيان بحق الشعب الفلسطيني؟
الحقيقة أن الذاكرة الجمعية للشعوب ليست ورقة بيضاء تُمحى بمرور الزمن. دماء الشهداء لا يجف حبرها، وصرخات الأطفال تحت الركام لا تختفي من الأذهان. من يظن أن جيلًا جديدًا سيولد خاليًا من هذه الذاكرة، أو أن التطبيع الإعلامي والسياسي سيغسل العقول، فهو واهم. بل على العكس، كل جريمة تُرتكب اليوم هي بذرة تزرع في قلوب الأجيال القادمة المزيد من الغضب والعداء.
إن من يراهن على “التطبيع” كخيار استراتيجي يتجاهل حقيقة أن الشعوب لا تُشترى ولا تُباع. الحكومات قد توقّع اتفاقيات، لكن الشعوب هي صاحبة الكلمة الأخيرة، والتاريخ شاهد أن الوعي الشعبي أقوى من أي توقيع. جيل الغضب لن يقرأ نصوص الاتفاقيات، بل سيقرأ صور المجازر، سيشاهد دماء غزة، وسيحفظ أسماء القرى التي مُسحت من الوجود.
وعلى الذين اختاروا الصمت، أو مارسوا التبرير، أو أداروا وجوههم عن المأساة، أن يفهموا أن صمتهم شراكة. الصمت أمام الدم جريمة، والحياد في مواجهة الإبادة سقوط أخلاقي.
الرسالة هنا واضحة: لن تخرج أجيال جديدة باحثة عن سلام مع قاتلها، بل ستخرج أجيال أكثر صلابة، أكثر عداءً، وربما أكثر اندفاعًا نحو المواجهة. إسرائيل لم تترك للشعوب أي مساحة للتسامح، هي التي زرعت الحقد والدم، وهي التي ستجني ثمار ما زرعته.
إذن، أي سلام يُبنى على الدماء هو سلام هش، مزيف، لا يعيش طويلًا. وأي محاولة لتجميل وجه الاحتلال هي إهانة لكرامة الشعوب. وإذا كان هناك من يظن أن التطبيع سيضمن “أمانًا” أو “استقرارًا”، فعليه أن ينتظر أجيالًا أشد عداوة وعدوانية، تحمل في وجدانها رصيدًا من المآسي أكبر من أن يُشترى أو يُنسى.
إنها ليست دعوة للحرب، لكنها حقيقة التاريخ: الظلم لا يولّد إلا مقاومة، والدم لا يورث إلا ثأرًا، ومن أراد أن يراهن على غير ذلك فهو كمن يراهن ضد حركة الشمس