كتبت نجوى نصر الدين
نحن آخر من يعلم… وآخر من يعمل
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث كما لو أنّ العالم بأسره قد تحوّل إلى شاشةٍ مضاءة لا تنام، نجد أنفسنا في موقع المتفرّج المتأخر. العالم يُخطّط، يُنفّذ، يُجرّب ويُخفق ثم يُعيد المحاولة، بينما نحن – في الغالب – ننتظر أن تصل إلينا الأخبار مكتملةً كحكايات الماضي: نحن آخر من يعلم.
نسمع عن تحوّلاتٍ اقتصادية كبرى بعد أن تترسّخ، وعن اكتشافاتٍ علمية بعد أن تتحوّل إلى صناعة، وعن تغيّراتٍ سياسية بعد أن تفرض نفسها كأمرٍ واقع. نتعامل مع المستقبل وكأنّه غريبٌ يطرق بابنا بعد أن دخل بيوت الآخرين منذ سنوات.
لكن المشكلة لا تقف عند حدّ الجهل أو التأخّر في المعرفة، بل تتعدّاها إلى التأخّر في الفعل. فحتى حين نعلم، نتردّد طويلًا في اتخاذ القرار. نُكثر من اللجان، ونجعل المشروعات أسيرة المداولات والتقارير، حتى يسبقنا الآخرون بخطوات بعيدة. نحن آخر من يعمل.
هذا التأخّر ليس صدفة، بل هو انعكاس لثقافة ترسّخت:
نخشى المخاطرة أكثر مما نخشى الجمود.
ننتظر التعليمات من فوق بدل أن نبادر من تحت.
نقيس خطواتنا على ما فعله غيرنا، وكأننا بلا بوصلةٍ خاصة.
والنتيجة أننا لا نصل إلى القطار إلا بعد أن يُغلق أبوابه.
إنّ الأمم التي سبقت لم تُمنَح أسرار النجاح في صُرّة من السماء، بل امتلكت الجرأة على التجربة، واعتبرت الوقت موردًا لا يُعوَّض. بينما نحن، نُضيّع الوقت في الحديث عن قيمة الوقت!
الحلّ ليس أن نسبق الجميع بالضرورة، بل أن نتعلّم أن نكون في الموعد. أن نكسر هذه اللعنة التاريخية التي تجعلنا دائمًا نصل متأخرين.
أن نربّي أجيالًا لا تنتظر أن “تعلم” من الآخرين، بل تكون هي التي تُعلِّم. وأجيالًا لا تنتظر أن “تعمل” بعد فوات الأوان، بل تبدأ من اللحظة التي تدقّ فيها الحاجة.
فأمّة تعرف وتعمل في وقتها، ولو بخطوةٍ صغيرة، أفضل ألف مرّة من أمةٍ تعرف متأخّرة وتعمل متأخرة… وتظلّ تردّد على الدوام:
نحن آخر من يعلم… وآخر من يعمل.
تحياتي
نجوى نصر الدين
