في زحمة الأيام، حين تعلو أصوات الواقع وتثقل الخطى، لا شيء يُطمئن القلب مثل الرجوع إلى حضن الذكريات هناك، حيث الضحكات الصافية، والقلوب التي لم تخن، والمشاوير التي كانت قصيرة لكنها مليئة بالأمان. في ذاك الركن من الذاكرة، ما زال صوت أمي يوقظني بنغمة الحنان، وما زالت رائحة القهوة صباح الجمعة تعيدني إلى مقعدي القديم في بيتنا القديم، حيث كنّا نضحك كثيرًا، ونختلف أحيانًا، لكننا دائمًا كنا نعود لبعضنا دون عناء.
الذكريات ليست مجرّد صور في عقل متعب، بل هي وطن بديل حين تغرب بنا الحياة. حضن الذكريات لا يخوننا، لا يسألنا عن أخطائنا، ولا يضعنا تحت اختبارات الحياة القاسية. هو فقط يحتوينا… كما كنا، لا كما صِرنا.
كم من مرة عدتُ إلى صورة قديمة فقط لأتأكد أنني كنتُ يومًا سعيدًا؟ كم مرة سمعتُ أغنية جعلتني أُغمض عيني وأبتسم رغم أن القلب كان مثقلاً؟
الذكريات لا تعيد من رحلوا، لكنها تُبقيهم قريبين. لا تُرمم ما انكسر، لكنها تمنحنا لحظة دفء… لحظة نحتاجها لنُكمل ما تبقّى من قسوة هذا العالم.
ولأن الحياة تمضي بسرعة، ولا شيء يبقى كما هو… يبقى “حضن الذكريات” ملاذًا لا تبلله الأيام، ولا يُطفئه الغياب. نعود إليه حين تخذلنا اللحظة، فنجد فيه أنفسنا كما تمنينا أن نكون… ولعل هذا وحده، كافٍ لننجو.