تناولت في الأسبوع الماضي قصة قناة السويس، بمناسبة الاحتفال بذكرى مرور 69 عام على تأميمها، ومرور 155 عام على افتتاحها. استغرق حفر قناة السويس عشر سنوات، كاملة، بأياد مليون مصري، استُشهد منهم 120 ألف. إلا أن امتياز القناة الذي الممنوح للشركة الفرنسية لمدة 99 سنة، حدد للحكومة المصرية الحصول على 15%، فقط، من صافي أرباح القناة، فجاء قرار الرئيس جمال عبد الناصر، في 26 يوليو عام ١٩٥٦، بتأميم القناة ليصحح الأوضاع ويعيد لمصر حقوقها الأصيلة في قناة السويس.
ومنذ استلام مصر لإدارة قناة السويس، بدأت في تطويرها بمنهجية علمية، بما يتماشى مع التطورات العالمية التي يشهدها مجال الملاحة العالمية. وارتكزت فلسفة تطوير قناة السويس، كما أعلنها الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، على خمس محاور، رئيسية؛ هي تطوير المجرى الملاحي، وتطوير الأسطول البحري، وتعظيم الاستفادة من الأصول، وتنويع مصادر الدخل، والتحول الرقمي، والاستدامة.
وفي مقالي في الأسبوع الماضي، استعرضت بعض الحقائق عن قناة السويس، الناتجة عن جهود تطويرها استجابة لتوجيهات السيد الرئيس السيسي فور توليه الرئاسة؛ إذ وصل عمق الغاطس إلى 24 متر، بما يسمح بعبور السفن العملاقة بحمولة 240 طن، كما تم تنفيذ ازدواج القناة وإضافة 99 كيلو متر لطولها، بما مكنها، في الفترة الماضية، من تحقيق معدل جديد، لم يحدث من قبل، وهو عبور 422 سفينة، في أقل من أربع أيام، فقط، في أيام الأزمات. والحقيقة أن هذا التطوير قد رفع من تنافسية القناة، وجعلها في صدارة الممرات الملاحية، وقوض حلم إسرائيل في انشاء قناة بن جوريون، للقضاء على قناة السويس.
وقد أكد السيد الفريق أسامة ربيع أن إدارة القناة تدعو الخطوط الملاحية للعبور في البحر الأحمر وقناة السويس، كما عرض ما حققته قناة السويس من طفرة نوعية في الخدمات، خاصة أثناء أزمة البحر الأحمر، التي تسبب فيها الحوثيون، إذ شمل التطوير مجال خدمات الإنقاذ البحري؛ فنجحت قناة السويس في إصلاح سفينة الصب اليونانية، كما نجحت في عملية قطر ناقلة النفط العملاقة “سيونيون”، التي تعرضت للهجوم من داعش في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
شملت جهود تطوير الخدمات، استحداث الهيئة لحزمة العلاج الطبي، لتقديمها إلى أطقم السفن العابرة. فضلاً عن خدمة مكافحة التلوث، وهي من الخدمات الهامة التي تحتاجها السفن أثناء الإبحار. وكذلك تقديم خدمات تبديل الأطقم البحرية للسفن العابرة، وتنسيق تنظيم سفرهم واستقبال الأطقم الجديدة القادمة لتغيير الأطقم القديمة. كما تم تقديم خدمة جديدة، لأول مرة، وهي خدمات مارينا اليخوت التي تعبر القناة، ورغم أنها لازالت في مرحلة الافتتاح التجريبي إلا أنها حققت تقدماً ملحوظاً.
بالإضافة لذلك تقدم هيئة قناة السويس خدمة التزويد بالوقود، للسفن العابرةو كذا خدمات التدريب، حيث استحدثت هيئة قناة السويس خدمات التدريب البحري باستخدام اساليب المحاكاة، لتقوم، الآن، بتنفيذ تدريب محاكي للسفن، ومحاكي للتدريب، ومحاكي للقاطرات، ومحاكي لمكافحة التلوث. وأخيراً وليس آخراً، أسست قناة السويس أكاديمية للإبداع والتميز، يتم فيها التدريب، بالتعاون مع شركات عالمية، من ضمنها شركة “ميرسك”، علاوة على وجود معامل للغات، واستوديوهات الصوت والصورة.
ولقد أشار الفريق أسامة ربيع، لما أكده حادث السفينة “إيفر جيفن”، من أنه لا بديل، منافس، لقناة السويس المصرية، ذلك الحادث الذي فضلّت خلاله 422 سفينة الانتظار، على مدار ستة أيام، عند مدخل القناة، لحين حل المشكلة، بدلاً من اللجوء لطرق بديلة، حتى تم، بالفعل، استيعاب كل تلك السفن، وتنظيم عبورها، في أقل من أربعة أيام. ودارت الأيام، لتثبت قناة السويس تنافسيتها، مرة جديدة، أثناء أزمات الحوثيون، التي اضطرت معها بعض السفن، لسلك طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي أثبت، للجميع، أمن وأمان العبور من خلال قناة السويس. ومن أمثلة ما شهدته السفن أثناء مرورها برأس الرجاء الصالح، هو سقوط بعض الحاويات من السفن الحاملة لها، واستحالة إنقاذها، وهو ما لا يحدث في قناة السويس على الإطلاق.
فضلاً عن تفضيل شركات الملاحة البحرية للعبور من قناة السويس، لتقليل انبعاثات السفن، مع تقليص مسافة الرحلة، التي تصل إلى 14 يوم إضافي، حال سلك طريق رأس الرجاء الصالح، وما يرتبط بذلك من رفع تكاليفها سواء للوقود، أو التأمين، الذي شهد قفزات كبيرة في الفترة السابقة. والحقيقة أن الخدمات المتميزة التي تقدمها قناة السويس، كانت السبب وراء شهادة الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية (IMO) بأن الإبحار حول رأس الرجاء الصالح لم يعد خياراً مفضلاً أمام شركات الملاحة البحرية.
ركزت الهيئة، كذلك، على محور توطين الصناعات البحرية، من خلال تصنيع 113 وحدة بحرية جديدة، منذ عام 2019، فضلاً عن دورها الهام في تصنيع 12 سفينة صيد، طبقاً لأحدث المواصفات العالمية، بالاستفادة من خبرات النرويج والدنمارك، فتم تزويدها برادارات لتحديد مسار أسراب الأسماك، ونظم الملاحة المربوطة بالأقمار الصناعية، فضلاً عن مصنع للثلج داخل السفينة، وفي ظني أن تلك هي الخطوة الأولى نحو تطوير واستبدال سفن الصيد القديمة الموجودة في مصر، بهدف زيادة الإنتاج من الثروة السمكية. كما أنشأت الهيئة مصنعاً لليخوت الفاخرة للتصدير، وأقامت مصنعاً للشمندورات الخرسانية، البنتونات، بدلاً من استيرادها من الخارج. وأضافت الهيئة الخدمات المجتمعية لأنشطتها، من خلال مزرعة سمكية، وإنشاء مدارس لمنطقة القناة، ومحطات مياه، ومراكز طبية. كما شاركت ترسانة جنوب البحر الأحمر في إنشاء رصيف بحري بطول 140 متر.
ولقد جاء تقدير السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لكل عمليات تطوير القناة بإصدار قرارًا هذا الأسبوع بمد خدمة السيد الفريق أسامة ربيع رئيسًا لهيئة قناة السويس لمدة عام.