ودع أهلك .. علي وزن أغنية العملاق الراحل محمد عبدالمطلب. ” ودع هواك “ *انها المأساة اليومية* ليس مشهدًا من فيلم مأساوى، ما يحدث فى *غزة اليوم* هو الواقع الحى، القاسى، الذى يعيشه رجال ونساء وأطفال لا يبحثون عن *حياة كريمة* أو *مستقبل أفضل* ، بل فقط عن البقاء يومًا آخر على قيد الحياة.
*فى هذا الركن الصغير من العالم،* حيث تختلط رائحة البارود برائحة *الخبز المحترق* الذى لم يُخبز، تخرج كل يوم عشرات الأرواح بحثاً عن كيس طحين. مجرد *كيس صغير* ، لا يتعدى وزنه بضعة كيلوجرامات، يكفى ليؤخر الموت عن عائلة بأكملها ليوم أو اثنين.
*الرجل الذى ودّع أطفاله فى الصباح* ، يفعل ذلك لأنه يعرف أن رحلته القصيرة فى المسافة، الطويلة فى الخطر، قد تكون الأخيرة. ينظر فى أعين زوجته، ويطلب منها الدعاء، لا لأنه يبالغ أو *يخشى المجهول* ، بل لأنه يعرف جيدًا ماذا ينتظره على الطريق.
عليه أن يسير لساعات، يقطع الكيلومترات مشيًا على الأقدام، ثم زحفًا على ركبتيه فى مناطق مفتوحة حتى لا تراه *طائرات الاحتلال* أو قناصته. لا يُمسك بيده سلاحًا، ولا يرفع راية، كل ما لديه هو كيس فارغ يريد أن يملأه بشىء من الطحين. إن حالفه الحظ ولم يُستهدف، يعود متعبًا، *ممزق الثياب، حافى القدمين، يحمل الكيس* كمن يحمل قلبه فى يده، يضعه على الطاولة أمام أطفاله، فينظرون إليه كمن أنقذهم من الغرق.
*المشهد يتكرر كل يوم* ، عشرات الرجال والنساء يخرجون إلى ما يُسمى مجازاً «نقطة توزيع مساعدات»، وهى فى الواقع ساحة موت مفتوحة. لا توجد ممرات آمنة، ولا تنسيق مع أحد، فقط *فوضى وخوف وتكدّس* وبنادق موجهة. قصف، رصاص، قنص، ثم صراخ، ودماء، وجثث تُترك فى العراء. كل من ينجو لا يعود كما خرج، بل يعود حاملًا ذاكرة جديدة من الرعب، وأحيانًا يحمل رفيقًا جريحًا أو ميتًا بين ذراعيه
*ما الذى يمكن أن يدفع إنسانًا لتوديع أسرته وكأنه ذاهب إلى ساحة معركة من أجل كيس طحين؟.*
*الجواب بسيط* ومؤلم: *الجوع* . حين يعجز الأب عن توفير وجبة واحدة لأطفاله، حين تبكى الأم وهى ترى طفلها ينام جائعًا، يصبح الطحين أغلى من الذهب، وأثمن من الحياة نفسها.
الناس فيها لم يعودوا يبحثون عن استقلال أو *حل الدولتين* أو إنهاء الاحتلال، بل فقط عن لقمة *تسد الجوع* . الرجل الذى يودّع أطفاله كل صباح، لا يريد سوى أن يعود إليهم بكيس الطحين. لا يريد بطولات، ولا شعارات، بل فقط ما يؤجل الموت ليوم آخر.
فى وجه هذا *الواقع القاسى* ، تبدو كل شعارات «الشرعية الدولية» و«حلول السلام» و«المبادرات الإنسانية» بلا قيمة، ما لم يُرفع الحصار فورًا.
فى *غزة* ، كيس الطحين ليس خبزًا فقط، بل كرامة.
*ومن يموت فى سبيله، لا يموت جائعًا فقط، بل شهيدًا وضحية للتقاعس العالمى.*