بقلم . عبد الله معروف متابعة . عادل شلبي في خضمّ واحدة من أكثر اللحظات خطورة في التاريخ المعاصر لفلسطين والمنطقة، برز موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كجدار سياسي وأخلاقي يرفض الانزلاق إلى كارثة إقليمية جديدة. فالمسألة لم تعد فقط عدوانًا عسكريًا على غزة، بل مشروعًا متكاملًا يستهدف إحداث تغيير جذري في الخريطة السكانية والسياسية للمنطقة عبر تهجير سكان غزة تحت مسمى “الهجرة الطوعية”.
تصريح بنيامين نتنياهو بأن “المشكلة ليست في التهجير الطوعي، بل في الدول التي ستستقبل الفلسطينيين” لم يكن زلة لسان. بل هو إعلان صريح أن إسرائيل، في غياب مقاومة إقليمية، مستعدة لفرض تغيير ديموغرافي على حساب الفلسطينيين، وأن العائق الوحيد أمام هذا المشروع ليس أخلاقيًا أو قانونيًا، بل سياسي: من سيستقبل هؤلاء؟
من هذا المنطلق، يُقرأ الموقف المصري، بقيادة السيسي، بوصفه منعطفًا استراتيجيًا حاسمًا. فرفض مصر التام لاستقبال نازحين فلسطينيين من غزة لا ينبع فقط من اعتبارات سيادية أو أمنية، بل من إدراك عميق بأن فتح الباب لهذا النوع من التهجير سيؤسس لتغيير دائم في الخريطة الإقليمية، لا سيما في العلاقة بين سكان غزة وسيناء، وفي التوازن الجيوسياسي في المنطقة.
السيسي لا ينظر إلى هذه الأزمة كمجرد ملف إنساني، بل يراها مشروعًا خفيًا له تداعيات أخطر مما يتصور البعض. قبول تهجير الفلسطينيين من غزة، حتى مؤقتًا، يعني فعليًا تشريع نكبة جديدة، لن تتوقف عند حدود القطاع، بل ستمتد لتطال الأردن ولبنان وربما مناطق أخرى. إنها ليست أزمة لاجئين، بل مشروع تفكيك للقضية الفلسطينية وتحويلها من صراع سياسي إلى مأساة إنسانية قابلة للنسيان.
إن إصرار القيادة المصرية على رفض هذا السيناريو ليس فقط لحماية الأمن القومي المصري، بل لحماية التوازن الإقليمي من الانهيار. فتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين سيخلق فوضى سكانية، اقتصادية، وسياسية، وسيُعيد خلط الأوراق في ملف اللاجئين وحق العودة، ويمنح إسرائيل انتصارًا استراتيجيًا بلا تكلفة سياسية.
وفي هذا السياق، من الظلم أن تُوجّه اتهامات لمصر أو للرئيس السيسي بأنهم شركاء في حصار غزة، إذ أن الموقف المصري الواقعي والرصين يتحمّل تبعات إنسانية ضخمة على حدوده، ويصبر على أوضاع صعبة لا لشيء سوى التمسك بمبدأ مركزي: الحفاظ على الحق الفلسطيني في أرضه وهويته. من السهل سياسيًا أن تُفتح المعابر وتُقام دولة فلسطينية في سيناء، لكن الثمن سيكون هو نهاية الحق الفلسطيني وذوبان الهوية الوطنية لشعب بأكمله.
الموقف المصري يرفض تحويل غزة إلى عبء إنساني عابر للحدود، ويرفض أن تكون سيناء بديلاً عن فلسطين، وهذا بحد ذاته موقف أخلاقي وتاريخي يستحق الاحترام. فالرئيس السيسي، بقراره هذا، لا يدافع فقط عن حدود مصر، بل عن جوهر القضية الفلسطينية.
ويكمن البعد الرمزي في هذا الموقف التاريخي، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ابن الدولة المصرية ذات الثقل الحضاري والسياسي، يختار أن يواجه هذه اللحظة بحكمة الدولة وعمق البصيرة. فهو لا يستخدم القوة أو الشعارات، بل يلتزم بالثوابت الوطنية والقومية الراسخة، رافضًا أن تتحول مصر إلى ممرٍ لمشاريع تُفرّغ الأرض الفلسطينية من شعبها، وتُعيد صياغة القضية على أسس إنسانية زائفة تخدم مخططات الاحتلال لا معاناة الناس.
لهذا السبب، فإن موقف السيسي لا يُقرأ فقط كموقف مصري، بل كموقف إقليمي يُعيد التأكيد على أن تصفية القضية الفلسطينية عبر البوابة السكانية لن تمر. فالتغيير السكاني هو تغيير في معنى فلسطين نفسها، وتغيير في الخريطة العربية ككل.
في لحظة يختلط فيها الخطاب الإنساني بالتواطؤ السياسي، يبقى الصوت المصري الرافض للتهجير هو أحد الأصوات القليلة التي تُصر على أن الصراع في غزة ليس مأساة إنسانية فقط، بل معركة على مستقبل المنطقة كلها. وأننا نأمل أن يستمر الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الموقف الصلب، وأن يبقى رافضًا بشكل قاطع لمبدأ التهجير الطوعي للفلسطينيين، لأن الثبات على هذا الموقف هو ما يحفظ جوهر القضية الفلسطينية ويمنع ذوبانها في مشاريع مشبوهة تحاول تفريغ الأرض من أصحابها.