كتبت نجوى نصر الدين الشعوب الواعية لا تعرف طريق الشر لأن الشر يحتاج إلى ظلام، وهؤلاء يصنعون النور. في عالمنا المعاصر، باتت ملامح الخير والشرّ أكثر التباسًا، لكنّ القاعدة الجوهرية ما زالت ثابتة: الشعوب التي تتسلّح بالعلم والثقافة والوعي لا تُنجب الشرّ، بل تقاومه. على النقيض، المجتمعات التي يغمرها الجهل والتعصب وضيق الأفق تكون أكثر قابلية للتحوّل إلى أدوات طيّعة في يد من يزرعون الحروب والكراهية.
لننظر إلى بعض الصور الواقعية:
1. الوعي يحصّن ضد التطرف
في دول مثل فنلندا وهولندا وكندا، حيث تُبنى المناهج التعليمية على التفكير النقدي، وتُكرَّس الثقافة كحقّ مدني، نادرًا ما نسمع عن انفجارات تطرف ديني أو قومي. لا يعني هذا أنها مجتمعات مثالية، لكن بيئتها الذهنية لا تسمح بسهولة بتكوين خطاب كراهية جماعي. بينما في دول أُخرى، يُغلق باب التفكير، وتُختزل الهوية في طائفة أو عِرق، فتتفشى النزاعات وتُبرَّر المجازر بدعوى “الحق الإلهي” أو “الحفاظ على الذات”.
2. العناد والغباء يولّدان الديكتاتوريات
انظر إلى بعض الشعوب التي دعمت بإصرار أنظمة قمعية لمجرّد أنها ترفع شعارات “الوطنية” أو “الهوية”. تلك الأنظمة لم تكن لتستمر لولا بيئة من العناد والبلادة السياسية العامة. الشرّ هنا لم يكن فقط في الحاكم، بل في بيئة جاهزة لتسويغ القمع باسم الخوف من التغيير أو كراهية المختلف.
3. الثقافة تقاوم التلاعب الإعلامي
في زمن الإعلام المُوجّه، الشعوب التي تملك وعيًا ثقافيًا عاليًا قادرة على التمييز بين الحقيقة والدعاية. في المقابل، يُسهِّل الجهل تمرير الأكاذيب، ويُحوّل الناس إلى جموع تصفّق للقاتل وتُدين الضحية. كم من شعوب دعمت حروبًا كارثية فقط لأنها “لم تقرأ غير ما أُعطي لها”، فتبنّت وجهة نظر واحدة ورفضت الاستماع إلى الطرف الآخر.
4. العلم يُحصّن من الخرافة
لاحظ كيف تُبنى المواقف في المجتمعات الأكثر تعليمًا حول قضايا مثل تغيّر المناخ أو اللقاحات أو حقوق الإنسان. الفكرة لا تمرّ دون اختبار، والمعلومة لا تُؤخذ من “شيخ” أو “زعيم”، بل من نقاش مفتوح وعقلاني. بينما في أماكن أخرى، تُشنّ حروب على “المؤامرات الكونية” بدل الاعتراف بالتقصير الداخلي.
ختامًا:
في النهاية، ليست المشكلة في وجود الشرّ بحد ذاته، بل في مدى استعداد المجتمعات لقبوله، وتوفّر التربة التي تسمح له بالنمو. الجهل، الغرور الجمعي، ضيق الأفق، والكسل الفكري هي الأبواب التي يدخل منها الطغاة والقتلة. أما المجتمعات التي تنمو على العلم والوعي، فهي تعرف كيف تضع الضمير فوق الزعيم، والعقل فوق السلاح، والإنسان فوق الأيديولوجيا. فاحذر من الجهل، لأنه الشرّ حين يتخفّى. واطلب الوعي، لأنه مقاومة قبل أن يكون معرفة تحياتي نجوى نصر الدين