لننظر مثلا فى أحكام يصدرها نقاد ومفكرون على ثورة يوليو *١٩٥٢* . ينعت بعضهم هذه الثورة « *بالانقلاب* » لكى ينزع عنها صفتى «الحركة الشعبية» و«الشرعية» ويرفض وصفها بثورة حتى ولو أيدها الشعب بعد ذلك وتلاحم مع من قاموا بها.. وهناك من سدد سهام عدائيته بضراوة للثورة *وارتبطت أحكامه بما تعرضت له مصالحه الذاتية من أضرار جمة كأن ملكيته لأرض زراعية قد انتزعت منه إثر الإصلاح الزراعى* فأورد حججا تبين بجلاء مثالب الإصلاح الزراعى كما تأكدت مصداقيتها فى المستقبل فقد كان سببا لما حل بالأراضى الزراعية ومحصولاتها من عواقب وخيمة من جراء تقطيع الأراضى وتفتت قيمتها. وثمة من يرى فى *العدوان الثلاثى* عام ١٩٥٦ كارثة وهزيمة لمصر وليس نصرا، بالإضافة إلى ما أعقبها من هزيمة أخرى عام ٦٧. ويرى فى *تأميم قناة السويس* «عملا طائشا» استنادا إلى ما لحق بالجنيه المصرية خلال الشهور الأربعة التى أعقبت التأميم من تدهور فى قيمتها الشرائية،
بالإضافة إلى ما اتسم به عصر الثورة من القهر وغياب الديمقراطية والتعذيب والاستبداد وهو ما عانى منه المعارضون لنظام الحكم الناصرى.
*وعلى النقيض* من الفريق السابق ثمة أحكام مغايرة تماما فى تقييم أحداث ثورة يوليو ونتائجها وهى بلا شك تستند إلى قيم ومقولات جوهرية مختلفة فى الحكم على الثورة. فمصر ما كان بمقدور قواها الوطنية المسيطرة على الساحة فيها أن *تحررها من الوصاية البريطانية لتمنحها استقلالها،* كما لم يكن فى المناخ السياسى الفاسد وقتئذ قوة وطنية مؤهلة لإحداث التغيير الثورى فى تاريخها سوى *قوة الجيش المصرى* لضعف أحزابها السياسية وتصادم مصالحها وفق أيديولوجياتها المتعارضة.
*وتأميم قناة السويس* فى ٢٦ يوليو عام ١٩٥٦ لم يكن هناك مفر منه بعد أن رفض البنك الدولى والبيت الأبيض تمويل مشروع بناء السد العالى على نهر النيل.
وفيما يتعلق *بالاقتصاد المصرى* قبل ثورة يوليو فقد كان تابعا للاحتكارات الرأسمالية الأجنبية تسيطر عليه قلة معدودة وكانت نسبة *البطالة* بين المصريين حوالى ٤٦ فى المائة وآخر ميزانية للدولة عام ١٩٥٢ أظهرت عجزا قدره ٣٩ مليون جنيه ولم تكن هناك أى نسبة مخصصة لمشروعات البنية التحتية مطلقا. وبلغت نسبة *الفقر والأمية* أكثر من ٩٠ بالمائة من الشعب المصرى كما بلغت نسبة المصابين *بالبلهارسيا* ٤٥ بالمائة. ولم يكن بمقدور الأغلبية الكاسحة من المصريين التى تعانى كلها من *الأمية* أن تحصل على التعليم فجاءت الثورة لتقرر *مجانية التعليم* لهم وخرجت من صفوفهم رموز فكرية وسياسية بارزة بفضل التعليم المجانى.
هكذا سيظل اختلاف البشر فى الحكم على الثورات الكبرى قانونا حتميا لاتصاله الوثيق بطبيعة الإنسان وقيمه التى تتشكل وفق موقعه الاجتماعى والسياسى والاقتصادى.
الثورة البيضاء التي حررت العباد الي عبادة رب العباد *لأ للمشككين* *تحيا ثورة ١٩٥٢*