حزب العمال الكردستاني BBK هو جماعة مسلحة كردية يا سارية، أسسها عبد الله أوجلان. نشأت في السبعينيات في منطقة كردستان التركية كحركة انفصالية عن تركيا، بهدف إقامة الدولة الكردية في إقليم كردستان الذي يوجد جزء كبير فيها جنوب تركيا.
وبعد 40 سنة من قيام هذه الجماعة المسلحة الكردية، أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار، وحل نفسه في 12 مايو 2025م. ولقد قدر لي ان اتواجد ثلاث سنوات في تركيا، ملحقًا عسكريًا لمصر في أنقرة، وخلال هذه الثلاث سنوات منذ عام 1990 عاصرت نشاط هذا الحزب وعملياته ضد الجيش التركي.
ولقد قمت بزيارة ديار بكر، عاصمة الإقليم جنوب تركيا، ورأيت كيف يعيش الأتراك الأكراد الذين منعت عنهم الحكومة التركية التكلم باللغة الكردية، حتى أن الأطفال في الصباح يذهبون إلى المدارس التي تُعلم اللغة التركية، وفي المساء كان هؤلاء الأطفال يُلقَّنون في منازلهم اللغة الكردية حتى لا يفقد هذا الشعب لغته.
وكان هدف الأكراد في تركيا الاتحاد مع أكراد سوريا في الشمال، ومع أكراد العراق، ومع أكراد إيران، لتكوين دولة كردستان. ومن هنا كانت تركيا تحارب، ليس فقط حزب العمال الكردستاني BBK في جنوب تركيا، ولكن كانت أيضا تحارب الأكراد السوريين في شمال سوريا، والأكراد العراقيين في شمال العراق، وأكراد إيران، لمنعهم من الانضمام معا لتكوين دولة كردستان والانفصال عن تركيا.
وأتذكر وأنا أزور ديار بكر في جنوب تركيا، كنت أرى صور عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني، في كل مكان، فقد كان بالنسبة لهم زعيمًا وقائدًا للأكراد. ولقد تم تصنيف حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية من قبل تركيا، وكذلك من للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وسوريا، وأستراليا، بينما رفضت دول أخرى مثل روسيا والصين هذا التصنيف.
ولقد انخرط حزب العمال الكردستاني في اشتباكات مسلحة مع القوات التركية ولكن في عام 1979، وعندما قُبض على عبد الله أوجلان زعيم هذا الحزب، حُكم عليه بالإعدام وتم تخفيف الحكم ليكون بالسجن مدى الحياة في سجن إيمرالي جنوب بحر مرمرة.
وفجأة، في فبراير 2025، أصدر حزب العمال الكردستاني BBK بقيادة عبد الله أوجلان بيانًا علنيًا لجميع أعضاء الحزب يطالبهم بإلقاء السلاح وحل المنظمة إلى الأبد، ودعا إلى التحالف بين الأتراك والأكراد للتعايش السلمي.
ولقد رحب الرئيس رجب طيب أردوغان بهذا الإعلان الذي دعا إلى وقف إطلاق النار بعد 40 عامًا، خاصة أنه في الفترة من 5 إلى 7 مايو انعقد المؤتمر الثالث عشر لحزب العمال الكردستاني وأعلن حل نفسه في 12مايو 2025م.
ومن هذا المنطلق، فإن العراق أيضًا رحبت بهذا الحدث حتى يمكن لأكراد العراق التخلي عن فكرة الانفصال، والبقاء داخل إطار الدولة العراقية. لذلك تم إعلان أن مدينة السليمانية شمال العراق سوف تستضيف مراسم تسليم سلاح حزب العمال الكردستاني BBK. وبالفعل، تم تسليم أسلحة عناصر الحزب امام كاميرات العالم كله وتم حرقها.
وهكذا يُسدل الستار عن أهم عمليات زعزعة الاستقرار في منطقة شمال الشرق الأوسط. وأعتقد أن من دواعي سعادة تركيا هو ما حدث مؤخرًا في سوريا، ووصول أحمد الشرع إلى مقاليد الحكم هناك؛ حيث إن أكراد سوريا، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تتحكم في شمال سوريا، كانوا مدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة السابقة، وكان لهم الفضل في القضاء على عناصر داعش في شمال سوريا، خصوصًا خلال فترة الرئيس الأمريكي ترامب في رئاسته الأولى.
في هذه الفترة بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من شمال سوريا، وبدأت تضغط على قوات (قسد) بسرعة الانضمام للدخول تحت لواء الدولة السورية، حيث دعت الولايات المتحدة القسد للانضمام تحت لواء الجيش السوري، وتعهدت بتدعيمه اقتصاديًا في المستقبل.
ومن قراءة كاملة للأحداث، نجد أن حلم إنشاء الدولة الكردية (كردستان) قد بدأ يتلاشى؛ فهذا هو حزب العمال الكردستاني BBK يعود تحت الولاية التركية ويسلم السلاح، وأكراد سوريا (قسد) يتخلون عن حلم الدولة الكردستانية وينضمون تحت لواء الدولة السورية، خاصة أن سوريا الآن قد تخلت عن العباءة الإيرانية وأصبحت تحت العباءة التركية.
أما أكراد العراق، فلديهم حكم ذاتي وبرلمان وجيش مستقل هو “البيشمركة” في العراق، ولقد حاول أكراد العراق الاستقلال بعد رحيل صدام حسين، خصوصًا أن كركوك أصبحت تحت سيطرتهم لما لها من ثروة بترولية، ولكن باءت عملية الاستقلال بالفشل.
لذلك يبدو أن المنطقة الكردية في كل من تركيا وسوريا والعراق سوف تشهد قدرًا من الاستقرار في الفترة القادمة. وهنا نطرح السؤال: هل كانت نهاية حزب العمال الكردستاني BBK هي نهاية حلم إنشاء الدولة الكردستانية؟
وأعتقد أن الإجابة نعم، وأعتقد أن خطة الرئيس طيب أردوغان قد نجحت في إنهاء التوتر في تركيا خلال الأربعين عامًا الماضية. ولكن يبقى أسلوب قبول أعضاء حزب العمال الكردستاني في المجتمع التركي وهذا ما سنراه في الأيام القادمة.