بقلم الدكتوره نورهان موسى مدرس القانون الدولى الخاص بكليه الحقوق جامعة المنوفية
الترشح لعضوية مجلس النواب أو مجلس الشيوخ ليس ترفًا سياسيًا، وليس بابًا للحصول على مكانة اجتماعية أو حصانة قانونية، وليس كذلك مجرد فرصة لتقديم خدمات لأهالي الدائرة. بل هو تكليف وطني بامتياز، يتطلب من المرشح أن يكون على قدر عالٍ من الإدراك والمعرفة، والقدرة على تمثيل الدولة لا فقط في القاعة التشريعية، بل أمام التاريخ.
للأسف، كثير من المرشحين يخوضون معارك انتخابية دون امتلاك الحد الأدنى من الفهم الواجب لأسس الدولة، ولا يفرقون بين أدوات التشريع وأدوات الرقابة، ولا بين دور النائب ودور المسؤول التنفيذي.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: ماذا يجب أن يعلم من يسعى إلى دخول مجلس النواب أو مجلس الشيوخ؟
أولًا: الفهم العميق لمفهوم الدولة وأجهزتها
على المرشح أن يكون ملمًّا بدور البرلمان كأداة للتشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وليس كجهة تنفيذية بحد ذاتها. كما يجب أن يفهم بدقة حدود اختصاص كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ وفقًا للدستور، وأن يدرك أن صوته داخل القاعة قد يحدد مصير أمة، لا مجرد مصلحة فردية.
ثانيًا: التفرقة بين المفاهيم الاقتصادية والسياسية الأساسية
من غير المقبول أن يترشح نائب لا يميّز بين: • الموازنة العامة والميزانية، حيث الأولى تقدير مستقبلي للإيرادات والنفقات، والثانية حساب ختامي لما تحقق فعليًا. • السياسة المالية والسياسة النقدية، فالأولى تختص بإدارة الضرائب والإنفاق العام (وزارة المالية)، والثانية بإدارة المعروض النقدي وسعر الفائدة (البنك المركزي). • الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي، حيث الأول يهتم بسلوك الأفراد والشركات، والثاني بأداء الاقتصاد الوطني ككل.
كل هذه المفاهيم لا بد أن تكون حاضرة في ذهن من سيتعامل مع مشروعات قوانين تمس الاقتصاد المصري مباشرة، وتؤثر على حياة المواطن اليومية.
ثالثًا: الإلمام بأسس العلاقات الدولية والمعاهدات
لا يمكن أن يكون النائب جزءًا من السلطة التشريعية، وهو لا يعلم كيف تؤثر المعاهدات والاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، أو يجهل خطوات المصادقة البرلمانية على الاتفاقيات وتأثير ذلك على السيادة الوطنية والموقف السياسي والدبلوماسي لمصر.
إن الاتفاقيات الدولية ليست أوراقًا شكلية تُوقّع ثم تُركن، بل هي التزامات قانونية تؤثر على الداخل المصري، من اتفاقيات التجارة إلى معاهدات الحدود إلى اتفاقيات حقوق الإنسان.
رابعًا: الفهم العميق للسياسات العامة
من يريد أن يكون مشرّعًا في مصر، يجب أن يدرك الفرق بين: • السياسة الداخلية التي تنظم شؤون الدولة داخليًا كالأمن والتعليم والصحة. • والسياسة الخارجية التي تتعلق بعلاقات مصر الإقليمية والدولية وتحالفاتها ومواقفها من القضايا العالمية.
وإلا كيف يصوّت أو يناقش أو يعترض وهو لا يعرف عواقب القرار؟
النائب الحقيقي لا يُستَخدَم من قبل السلطة، بل يراقبها، يحاسبها، ويقوّم اعوجاجها. ولا يتم ذلك إلا إذا كان مدركًا للأدوات الرقابية المتاحة له: من طلبات الإحاطة والاستجوابات، إلى لجان تقصي الحقائق وسحب الثقة. ختامًا الترشح للبرلمان مسؤولية وطنية عظمى، لا مجرد موقع رمزي أو مظهر اجتماعي. ومن لا يملك الأدوات المعرفية التي تمكّنه من أداء هذا الدور بوعي وكفاءة، أو من يرى في هذا المنصب وسيلة للمكانة الاعتبارية، فعليه أن يعيد التفكير.
احترام الوطن يبدأ من احترام البرلمان، واحترام البرلمان يبدأ من وعي من يجلس على مقاعده، وتمثيله للأمة بعقلٍ ناضج لا بمظهرٍ براّق.