بقلم نجوى نصر الدين في مشهد يبدو مألوفًا على نحو مقلق، تتكرّر خلال الأسابيع الأخيرة حرائق مفاجئة في مناطق متفرقة من مصر، بدءًا من القاهرة الكبرى إلى الإسكندرية، مرورًا بمدن دلتا وصعيد. ما بين سنترالات، أسواق شعبية، مستودعات، ومراكز خدمية وتجارية، لم تعد النيران حدثًا طارئًا، بل أصبحت ظاهرة تستحق التوقف والتحقيق الجاد. اللافت أن هذه المشاهد، وإن اختلفت في المكان والتوقيت، تعيد إلى الأذهان حادثة تاريخية مفصلية: حريق القاهرة الشهير في 26 يناير 1952، حين احترقت نحو 700 منشأة في قلب العاصمة، ولم يُعرف حتى اليوم الفاعل الحقيقي. فهل نحن بصدد إعادة إنتاج الفوضى… لكن بأساليب حديثة؟ حين يتكرّر “المجهول” حرائق اليوم، شأنها شأن حريق القاهرة قديمًا، تتسم بالنمط ذاته: فجائية الحدث غياب كاميرات التوثيق غموض التحقيقات وصمت إعلامي أو تبريرات مبسّطة (ماس كهربائي، إهمال إداري…) لكن عدد الحرائق وكثافة وقوعها خلال فترة قصيرة، يضع علامات استفهام أمام رواية الصدفة أو الإهمال ويطرح تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام مشهد عبثي، أم أن ما يحدث يحمل أبعادًا سياسية وأمنية تتجاوز الظاهر؟ النار كأداة ضغط سياسي في قراءة غير ساذجة، يمكن النظر إلى هذه الحرائق من زاوية أكثر عمقًا: إشغال للرأي العام عن أزمات اقتصادية أو قرارات مرتقبة بث مناخ من التوتر وعدم الاستقرار النفسي توظيف الحوادث أو حتى إرسال رسائل داخلية بين أطراف لم تعد على توافق تاريخيًا، استُخدمت الحرائق في أكثر من دولة كأداة لفرض وقائع جديدة على الأرض دون إعلان رسمي. من حريق 1952 إلى 2025: هل تتكرر أدوات الصراع؟ في عام 1952، سبق الحريق اضطرابات سياسية واحتقان شعبي، وكان تمهيدًا لانهيار النظام الملكي، وولادة الجمهورية في يوليو من العام ذاته. اليوم، وبينما تمر البلاد بمرحلة شديدة الحساسية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فإن تكرار النيران قد لا يكون بريئًا. الأسئلة المطروحة الآن لم تعد من قبيل التخمين: من المستفيد من هذه الحرائق؟ لماذا يُغيب الفاعل كل مرة؟ وهل ننتظر حريقًا “أكبر” حتى نتحرك بجدية؟
مسؤولية الدولة… ومسؤولية الوعي لا أحد يملك الحقيقة المطلقة حتى اللحظة، لكن الصمت أخطر من النيران ذاتها. إن كانت هذه الحرائق ناتجة عن إهمال، فذلك يستوجب محاسبة صارمة. وإن كانت مدبّرة، فنحن أمام محاولة لزعزعة الاستقرار تستدعي كشف الحقائق للرأي العام، قبل أن تتحوّل الثقة نفسها إلى رماد النار التي لا نواجهها… تتمدد. وحين يُصبح “الفاعل مجهولًا” هو القاسم المشترك في كل كارثة، فإننا أمام معضلة سياسية وأمنية لا تقنية. البلاد لا تحتمل صدمات جديدة، ولا ينبغي أن تُترك الحرائق بلا مساءلة أو تحليل. ففي السياسة، كما في الحياة… النار لا تشتعل وحدها تحياتي نجوى نصر الدين