بقلم نجوى نصر الدين في حياة النبي محمد ﷺ، لم تخلُ الساحة من محاولات النيل منه، سواء عبر هجاء الشعراء أو افتراءات الخصوم. ومع ذلك، لم يكن الرد دائمًا عبر الصدام أو المقاطعة أو الضجيج، بل في كثير من الأحيان كان الرد هو الصمت، وذلك من قبيل ما يُروى عن ترك الصحابة للشعراء المسيئين دون ردّ، لئلا يُمنَحوا ما يتمنونه من شهرة وانتشار. هذه الحكمة النبوية في التعامل مع الإساءة تُقدم اليوم درسًا بالغ العمق. ففي زمنٍ يعجّ بالمنصات والمنابر المفتوحة، باتت الشهرة أسهل منالًا، لا تأتي بالتميز بل بالضجيج. وكلما تعالت الأصوات في الردّ على مسيء، تضاعفت الأضواء عليه، وانتشرت رسالته – وإن كانت رديئة – أكثر مما تستحق. هل الردّ دائمًا هو الحل؟ حينما نشرت صحيفة علمانية في تركيا مادة مسيئة إلى مقام النبي ﷺ، خرجت مظاهرات تطالب بمحاكمة الصحفي، وتحوّل الأمر إلى قضية رأي عام. لكن السؤال المهم هنا: هل هذا الردّ خدم مقام النبي أم خدم الصحفي؟ هل تم التعريف بسيرة الرسول، أم زادت أسهم من أساء إليه في بورصة الشهرة؟ الحقيقة المؤلمة أن بعض المسيئين لا يهدفون إلى النقد أو النقاش، بل يسعون إلى استفزازٍ يكسبهم الضوء. وكل ردّ غاضب هو في حقيقته إعلان مجانيّ لهم. بين التجاهل والنور ليس المطلوب أن نصمت عن الباطل، ولكن المطلوب أن نختار الردّ الذكيّ. تجاهل المسيء، حين يكون هدفه الإثارة، هو تقزيم فعلي له. أمّا الردّ الحقيقي، فيكمن في إبراز الصورة الحقيقية للنبي ﷺ، وتعريف الناس بسيرته وسماحته وعدله، من خلال المبادرات الثقافية والفنية، والمواد المرئية والمكتوبة التي ترتقي بذوق الناس وتُقنع العقول. نحن نملك ميراثًا عظيمًا، وبدلًا من أن ننشغل بإطفاء شرارات الحقد، فلننشغل بإشعال شموع النور. فصورة النبي في قلوبنا لا تحتاج إلى دفاعٍ منفعل، بل إلى عرضٍ صادق راقٍ يُخاطب العقول والضمائر. الإساءة التي لا تجد من يردّ عليها، تختنق وتموت. أما تلك التي تثير الغضب الجماهيري، فقد تتحوّل إلى وقودٍ لحركات معادية، وفرصة ذهبية لبناء جماهيرية لم تكن لهم. الردّ الأذكى إذًا، هو الذي يُطفئ النار لا الذي يسقيها. وهو الذي يحوّل طاقة الغضب إلى طاقة بناء وتنوير. فحبنا للنبي محمد ﷺ يجب أن يُترجم لا بالصراخ، بل بالعمل الذي يُظهر للعالم كم هو عظيم، دون أن نمنح المسيء أكثر مما يستحق تحياتي نجوى نصر الدين