النسيان هو تأهيل الخيال على احترام الواقع في ارتباطه بالمشروعية ضد الجهل والزيف والخرافة. لأن أكثر الناس إدراكا و وعيا لا يمكن أن يكونوا أشرارا، فالشر يتطلب غباء ومحدودية في التفكير. في حين أن بعض البسطاء يدهشون العالم باستقامتهم، عكس بعض العلماء الذين يُدهشون الجميع باعوجاجهم، فلا يطمئن الإنسان دوما إلى العناوين والألقاب. فمن لا يقرأ الكتب سيؤمه يوما جاهلا. لذا فإن أنجع السبل في تقييم الذكاء والتفكير تنبثق من المحيط كلبنة أساس للإجابة بكل وضوح على المواقف التي يتظاهر المرء بعدم رؤيتها. لأن السواد الأعظم يشبه المجلة، هناك من يدهشنا بالمحتوى و هناك من يخدعنا بالغلاف. حيث لا قيمة للمعرفة الفكرية إن لم يتم تنزيلها في موضعها الشفاف و يستفيد منها الجميع. قيل:” من لم يقرأ التاريخ فقد عاش عصره فقط، ومن قرأ التاريخ فقد عاش الدهر كله”.لكن كيف يمكنك الآن كتابة الحقيقية التاريخية في عالم مليء بالتناقضات والإفتراءات والتمويه الإيديولوجي الإعلامي. لكن بما أن الأرض تعرف أصحابها، أين نحن من الحقيقية بعدما مالت شمس الثقافة نحو الغروب، فاتحة الأبواب أمام الأقزام ليصبحوا بقامة العمالقة. فإذا فشلنا برفع أحدهم إلى مستوى أخلاقنا فلا ندعه ينجح بإنزالنا إلى مستوى أخلاقه. لأن هناك من يصنع الأحداث وهناك من يتأثر بها وهناك من لا علم له بما يحدث. فالإيجابية الحقيقية لا تعني إنكار صعوبات الواقع بل تتعامل معه بعقل و التركيز على الحلول لا الأعذار. ومن أجل امتصاص الضغط واسترجاع التوازن الفكري و تفاديا لصناعة الأمل والتبعية في عالم باتت فيه السرعة مقياسا للنجاح، والإنتاج معيارًا للقيمة، حيث يجد الإنسان نفسه محاصرًا بمطالب لا تنتهي، في أوضاع تختزل عددا كبيرا من التعريفات حول هذا المفهوم، و بالأساس استراتيجية طرح أسئلة نقدية تهدف إلى كشف النواميس التي لا جدال فيها وكذا التناقضات، سواء في التفكير أو التقييم. و بالتالي إلى سياقات أخرى، تظل التكملة زيادة على شيء ما واستبدال له، فتكون نسخة فكرية تقوم بتعميم المعنى وإشاعتها في مجال عام مما يستعصي ربطه بأي قصد أصلي، أو تصور ذهني من الناحية الفردية أو من ناحية التبعية الفكرية. لأن نقل المعلومة من دماغ إلى دماغ تخضع إلى تعديلات بحسب الأشخاص والمجموعات من خلال المقاربة التصورية للأشياء في أذهاننا. لأن التوقعات تتكاثر ولا مجال للتوقّف ولا وقت للتأمّل ولا مبرّر للبطء. إنها ملامح “الاحتراق النفسي” الذي تسلل إلى حياة الأفراد دون ضجيج. فإذا تشابه حضور المرء مع غيابه في عالم يغيب فيه الفكر و تحضر فيه صناعة الأتباع، فليرحل قبل فوات الآوان. لأن انسجامه يتلاحم مع من يشبهه في الروح وليس في الصفات. لأنه ينظر لما ينظرون إليه، ولكنه لا يرى ما يرون.كما يجب ألا يهدر حواسه الخمس على أحدهم ما لم يستخدم إحساسًا واحدا ليشعر به. و لا يبصم لأي شخص بأصابعه العشرة على ثقته به.. ليترك أصبعاً واحداً على الأقل، فقد يحتاج أن يعضه بقوة ندماً على ما قام به. لأن المصلحة الشخصية هي دائما الجبل الذي تتحطم عليه أقوى المبادئ. في هذا الباب وعلى هذا المستوى، ترتبط النصوص الفلسفية والفكرية بطرق نقدية شاملة وجديدة بعيدا عن الولاءات المجانية للأفكار. إذ تتناول أهم أسس دراسة فكر الاختلاف الذي لا يمكنه إلا أن يكون مختلفا ومخالفا وليس أحاديا، دون أن يحمل خروجه معنى القطيعة النهائية مع المنطق الفلسفي. لأن مفهوم “النقد المزدوج” يهدف إلى اقتراح رؤية متعددة وبعيدة عن التبعية الفكرية السلبية بكل أنواعها من أجل مواجهة كل أشكال الاحتواء. وبالتالي، وكما هو مؤكد تجعل من وجود الكتابة التنويرية متحرّرا من سلطة القيود والثوابت التي تكبلها وتتحكم في كينونتها كوجود منظور وغير منظور، مرئي وغير مرئي، مادي وغير مادي.