لواء دكتور/ سمير فرج متابعة عادل شلبي لم تكد سحب الدخان والبارود، المصاحبة لصوت الانفجارات، قد انقشعت بعد، فوق سماء قاعدة العُديد الأمريكية، فوق أراضي قطر، بعد قصفها بالصواريخ الإيرانية، وبعدما تأكد الرئيس الأمريكي من سلامة الجنود الأمريكيين، والقطريين، حتى قام الرئيس دونالد ترامب، على الفور، بشكر الإدارة الإيرانية، على إبلاغ قطر قبل بدء الضربة الصاروخية، على قاعدة العُديد، بوقت كاف.
حيث تم إخلاء القاعدة بالكامل، من الطائرات والمعدات الرئيسية ودخل الأفراد إلى الملاجئ، وتم إيقاف حركة الطيران، تماماً، فوق قطر، واستعدت الدولة، والقاعدة الأمريكية، لاستقبال الضربة الصاروخية الإيرانية، والتي تمت دون إراقة نقطة دم واحدة، وفق ما أعلنه الرئيس ترامب، معرباً عن تقديره للدور الإيراني في إدارة هذا الموقف.
وعلى الفور، اتصل الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وطلب منه وقف إطلاق النار، مع إيران، اعتباراً من الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء 24 يونيو، بالتزامن مع إعلان مساعد الرئيس الأمريكي عن اتصال مباشر، وغير مباشر، بالإدارة الإيرانية، وبوساطة قطرية، تم خلاله الاتفاق على وقف إطلاق النار في السابعة صباحاً. ليتوقف القتال، بذلك، بين إسرائيل وإيران، بعد 12 يوماً من القتال العنيف، في منطقة الشرق الأوسط، الذي كان من الممكن أن يمتد إلى مناطق أخرى.
وهنا شعرت بأن التاريخ يعيد نفسه؛ فعندما تم اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وأحد أشهر القادة الإيرانيين في تاريخها الحديث، والذي أُطلق اسمه على أحد صواريخ إيران الفرط صوتية باسم “الحاج قاسم”، والذي كان يُعتبر الشخصية الأقوى في إيران، بعد المرشد الأعلى، بما عُرف عنه بأنه “قائد الظل” في إيران، والعقل المدبر لكل العمليات الإيرانية في سوريا والعراق.
كان قاسم سليماني قد زار القاهرة مرتين، أيام حكم الإخوان، واجتمع مع خيرت الشاطر بهدف تكوين “الحرس الثوري المصري”، ذلك المشروع الذي وئد في مهده، لفطنة المسئولين المصريين حينها. وقد وضعته الولايات المتحدة على قائمة المطلوب التخلص منهم، وبالفعل نُفذت خطة لتصفيته خلال فترة الولاية السابقة الرئيس ترامب، في يناير 2020، عند وصوله إلى مطار بغداد الدولي، من خلال عملية بطائرات مسيرة.
كان الرئيس ترامب قد أمر بتلك الغارة، ويومها جنّ جنون الشارع الإيراني، وطالب بالانتقام. فقامت إيران بقصف قاعدة “عين الأسد” الأمريكية، في شمال العراق، وبنفس الأسلوب الذي حدث في قطر، حيث أبلغت إيران الولايات المتحدة، سراً، بعزمها لقصف قاعدة عين الأسد، مؤكدة أن الصواريخ ستُوجَّه إلى الأسوار، فقط، دون تجاوزها إلى عمق القاعدة. وهو ما أعلنه ترامب، صراحة، خلال حملته الانتخابية للولاية الثانية، أن إيران خافت من الرد الأمريكي، لذلك أقدمت على هذه العملية لتهدئة الشارع الإيراني.
واليوم، نفذت أمريكا ضربة عسكرية، دقيقة، ضد ثلاثة منشآت نووية في إيران، استهدفت بها “منشأة نطنز” النووية المعروفة بدورها في تخصيب اليورانيوم، و”منشأة أصفهان”، إضافة إلى الهجوم على “منشأة فوردو”، المحصنة تحت الأرض بعمق يقارب 50 متراً، مستخدمة الطائرات الأمريكية قنابل من طراز GBU-57 المصممة لاختراق المنشآت المحصنة تحت الأرض، بينما استهدفت منشآت نطنز وأصفهان بصواريخ توما هوك، أطلقتها من غواصات أمريكية، وقد أعلن ترامب، بنفسه، في فجر الأحد الماضي، نجاح تلك العملية وعودة المقاتلين الأمريكيين إلى قواعدهم سالمين.
في هذا التوقيت، كانت أمام إيران ثلاث اختيارات للرد؛ إما بضرب القواعد الأمريكية في المنطقة، أو إغلاق مضيق هرمز، أو تنفيذ عمليات داخل أمريكا باستخدام “الذئاب المنفردة” في أي من المدن الكبرى. فقررت الإدارة الإيرانية الرد بأسلوب شبيه لردها السابق على اغتيال قاسم سليماني، واختارت استهداف قاعدة العُديد الأمريكية في قطر لعدة أسباب، أهمها أنها أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، فضلاً عن قربها الجغرافي من إيران، مما يصعب عملية التشويش على الصواريخ، يضاف إلى ذلك متانة العلاقات بين إيران وقطر، والتي تيسر عمليات التنسيق لتفادي الخسائر. وبالفعل، تم تنفيذ العملية، بعد إبلاغ قطر بها مسبقاً.
أما المعارك التي جرت على مدار ١٢ يوماً، فقد تأثرت بها إسرائيل، بشكل مباشر، إذ كانت تلك المرة الأولى، منذ إعلان دولة إسرائيل، أن يتم مهاجمة المدن الثلاث؛ تل أبيب، وحيفا، والقدس بصواريخ إيرانية. ولأول مرة، أيضًا، تنطلق صفارات الإنذار في المدن الإسرائيلية، ويهرع المواطنون للملاجئ، خاصة بعد فشل نظام الدفاع الإسرائيلي في التصدي لهذه الصواريخ، وهو ما دفعها لقبول وقف إطلاق النار، خاصة بعدما نجحت في تعطيل البرنامج النووي الإيراني، من خلال الضربات الأمريكية، وهو ما كان هدفها الرئيسي.
أما على مستوى الولايات المتحدة، فقد ظهر الرئيس ترامب أمام شعبه، والعالم، كرئيس قوي، يملك القوة، ويستخدمها، لتحقيق السلام. ووافق على تلقي الضربة الإيرانية، دون رد عسكري، خاصة بعدما أظهرت استطلاعات الرأي، في أمريكا، أن ما يزيد عن ٦٠٪، من الشعب الأمريكي، يعارض دخول أمريكا في حروب على أراضٍ بعيدة، بعد فشل تجربتي أفغانستان وفيتنام.
كما أن ترامب واجه عقبة أخرى، وهي عدم إبلاغه للكونجرس قبل تنفيذ الضربة، مكتفياً، فقط، بإبلاغ عناصر من الحزب الجمهوري، مما يجعله متهماً بمخالفة دستورية، دفعته إلى عدم الانجراف في عمليات أكبر، خشية فقدان الأغلبية في الانتخابات القادمة للكونجرس. لذلك، أراد ترامب ألا يخسر الشارع الأمريكي، بل أراد أن يظهر بأنه يستخدم القوة العسكرية لتحقيق السلام، ونجح بالفعل في وقف إطلاق النار، ومن بعدها قرر انه سوف يسعى لحل المشكلة الفلسطينية–الإسرائيلية.