لَيْتَ الحياة مثل الكتاب، يمكننا تصفحها و الرجوع إلى أقوى اللحظات التي كانت تسعدنا وكنا نستمتع فيها. نعم، لا يستوعب المرء اللحظات ذات الأهمية الحقيقية في حياته، إلا عندما يكون الوقت قد فات. إنها الحياة، بعضنا يتفوق بذكائه، وبعضنا ينجح بغباء الآخرين. فمن أراد أن يعيش حياة سعيدة فعليه أن يربطها بأهداف وليس بأشياء أو أشخاص. إذ ليس من المستغرب ألا يعبر السكوت عن القبول دائماً، لكن في بعض الأحيان يعبر عن تعبنا من التفسير و الشرح لأشخاص لا يستوعبوا شيئا، كلما تبادلت معهم الحديث، تشعر و كأنهم يتناولون عقاقير منع الفهم تحت ضغط من رجال السلطة وتفسير خاطئ من رجال الدين من أجل إخصائهم سياسياً وفكريا. هذا ما يؤكد أن من اختار الصمت في الحياة، سبق وأن قال كل شيء. لكن خطورة الأمر في أن يعتنق المرء أفكاره دون براهين، حيث لا يمكنك إقناعه بزيفها من خلال البراهين.كما يستعصي على العالم إقناع الجاهل بقيمة العلم، كما يصعب على المفكر في أمة جاهلة أن يقود الرأي العام فيها إلى الاهتمام بالعلم. في هذا السياق يمكن اعتبار محاولة الحديث مع شخص تخلى عن منطق القيم ، أشبه بإرغام جثة على تناول الدواء. لذا فمن الصعب عبور هذه المحنة في الحياة حتى تحظى مدرجات الجامعات بأهمية أكبر من مدرجات ملاعب الكرة، و مختبرات البحث العلمى أهم من بناء السجون. وعندما نعترف بأن أسوأ ما يدمر أمتنا هو الأمية وبيع الأوهام. حينذاك سننعم بتصورات مثالية جديرة بالإهتمام، تساير تطورات العصر. لأن الإخلاص فعل خفي ، لا رقيب له إلا الضمير. لكن عندما يصبح الظلم قانونا..يصبح التمرد واجبا. ليقبلونا كما نحن أو ليتركونا كما نحن، فلا هم يملكون حق تعديلنا حسب هواهم، ولا نحن نملك رغبة التبرير لهم. قد لا يُزعجنا الكلام ولكن يُؤلمنا المتكلم ، كما لا يُؤثر فينا الفعل .. ولكن يصدمنا الفاعل. يتعلق الأمر بانتكاسة حضارية و انهيارها حين ترى أمة تطعن حكامها سرا وتعبدهم جهراً ..أمة لا تستحق الحياة. لا خوف من جاهل إلا حينما يكون له حراسا أوفياء لمصالحهم الضيقة. إنها غرابة الحياة، تستقبلنا بلا شيء ، ثم نتصارع من أجل كل شيء، و في النهاية نترك فيها كل شيء ونغادر بلا شيء. حيث تنحصر المضامين الرئيسة في أهمية فلسفة الوجود في إعطاء المناعة من خلال المسافة النقدية والمراجعة الذاتية ومن خلال الشك بالمسلمات. إذ لا يمكن التواضع لمن لا يكرمك، و ترغب في مودة من لا ينفعك. هؤلاء من دمروا الأمة، يتصارعون على الوطن وليس من أجله: السياسي بلا مبادئ، الثري بلا عمل، العالم بلا قيم، التاجر بلا أخلاق. لكن قبل أن يبحث المرء عن الراحة، لابد أن يتعلم كيف يختصر في كل شيء: الكلام ، المشاعر، وأحياناً بعض الناس. لأن كلما ابتعدنا عن الحقيقة افتقرنا إلى المنطق. لنبحث جميعا عن جواب شافي ومقنع على قرار المنظمة العالمية للصحة. “التي قررت إرسال أدوية إلى الدول التي تعاني من المجاعة، و هذا عمل انساني بامتياز، لكن المأساة أنه كتب عليها: الاستعمال بعد الأكل.” لو سكت من لا يفقه شيئا، لتقلصت الخلافات و سعينا إلى تغيير حقيقي يبدأ من دواخلنا، لأن الحياة أصبحت مجرد وصف أدبي لا يلامس القيم و لا يغير الواقع.